في مثل هذا اليوم 25 يونيو 2006 تمر الذكرى الــ 17 عامًا على عملية الوهم المتبدد التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام، واستهدفت موقعا عسكريًّا إسرائيليًّا جنوب قطاع غزة، وقتل فيها عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين، وأسر خلالها الجندي جلعاد شاليط من داخل دبابته، واستمر احتجازه لمدة خمس سنوات.
في الفترة من 2006 إلى 2011، قامت الجهود الدبلوماسية المكثفة بين إسرائيل وحماس بوساطة من قطر ومصر وألمانيا بالعمل على التوصل إلى صفقة تبادل أسرى.
وصلت المفاوضات إلى نقطة تحقيق التقدم في عام 2011، حيث تم التوصل إلى اتفاق يعرف بـ "صفقة الألف" أو "صفقة شاليط". تضمنت الصفقة إطلاق سراح جلعاد شاليط وتبادله بأكثر من 1,000 أسير فلسطيني محتجز في سجون إسرائيل.
عملية الوهم المتبدد
تمكن مجاهدو كتائب الشهيد عز الدين القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام من تنفيذ عملية "الوهم المتبدد" والتي نفذت صباح الأحد 29 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 25/06/2006م، واستهدفت العملية مواقع الإسناد والحماية التابعة للجيش الصهيوني على الحدود الشرقية لمدينة رفح.
بدأت العملية في تمام الساعة 05:15 بقصف تمهيدي وإشغال لحامية معبري صوفا وكرم أبو سالم الصهيونيين بمدفعية الهاون، ثم بدأ التنفيذ الفعلي الذي قامت به وحدة الاقتحام والتي تسللت للموقع عبر نفق أرضي وتمركزت خلف صفوف العدو، وانقسمت إلى عدة مجموعات وكل مجموعة كلفت بضرب أهداف محددة، وهي على النحو الآتي:
المجموعة الأولى: قامت بتفجير دبابة الميركفاة التي كانت تقوم بأعمال الحماية والإسناد في الموقع، وأسفر الهجوم على الدبابة عن مقتل اثنين من طاقمها وإصابة آخر، ووقوع جندي على قيد الحياة في قبضة القسام.
المجموعة الثانية: قامت بتدمير ناقلة الجند وتم مصرع جميع طاقمها، لكن العدو وكعادته حاول التكتم على خسائره، وحاول أن يقلل خسائره عندما ادعى أن ناقلة الجند وضعت في الموقع لأغراض التمويه.
المجموعة الثالثة: قامت بتدمير الموقع العسكري الاستخباري (البرج الأحمر) بشكل جزئي، ومن ثم قامت بالاشتباك مع الجنود الذين يعتلون الموقع، واستشهد في هذا الاشتباك الشهيدان محمد فروانة، وحامد الرنتيسي.
ثم انسحب المجاهدون الذين اقتحموا الموقع وعادوا إلى قواعدهم تحفهم عناية الرحمن بعد أن نفذوا بكل إتقان العملية، والأهم عودتهم بالصيد الثمين الذين أحيا منذ تلك اللحظة الأمل بالحرية للأسرى الأبطال.
نتائج العملية
1- الخسائر البشرية: أسر المجاهدون الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط" من داخل دبابته، كما أسفرت العملية عن مقتل قائد الدبابة ومساعده بالإضافة إلى إصابة ستة آخرين بجراح.
2- الخسائر المادية: تم خلال العملية تدمير دبابة الميركافاة (3) المطورة، وكذلك ناقلة جند مصفحة بالإضافة إلى حدوث أضرار جزئية في الموقع العسكري الاستخباري (البرج الأحمر).
3- الخسارة الأمنية: ألحقت هذه العملية خسارة أمنية فادحة بالعدو ، وعلى إثر هذه العملية نشبت خلافات حادة بين جهاز الأمن الصهيوني "الشاباك" والجيش الصهيوني حول الفشل الاستخباري الذي صاحب العملية ، من خلال قدرة الفصائل على حفر النفق الذي استخدم في عملية الاقتحام دون أن يكتشف العدو أمره ويقوم بتدميره قبل تنفيذ العملية.
نتائج المفاوضات
1- إتمام صفقة الحرائر: حيث جرت هذه الصفقة برعاية الوسيط الألماني، وهي قيام الاحتلال بالإفراج عن (20) أسيرة فلسطينية، وثلاثة أسرى من الجولان السوري، مقابل شريط فيديو لمدة دقيقة للجندي الصهيوني الأسير.
2- إتمام صفقة وفاء الأحرار: تمت هذه الصفقة بوساطة من المخابرات المصرية، وكان العدد الكلي للأسرى المفرج عنهم في الصفقة (1027) وتمت على مرحلتين:
• المرحلة الأولى: تشمل (477) أسيرا منهم (315) محكومين بالسجن المؤبد والباقي من المحكوميات العالية، إضافة إلى (27) أسيرة منهم خمسة محكوم عليهن بالسجن المؤبد.
• المرحلة الثانية: (550) تم تنفيذها بعد شهرين من تنفيذ المرحلة الأولى وفق معايير أهمها أن لا يكون الأسرى المفرج عنهم معتقلين على خلفية جنائية.
ردود إسرائيلية
اختطاف جلعاد شاليط واحتجازه من قبل كتائب القسام أثار ردود فعل قوية في إسرائيل. الحدث نفسه أدى إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتعاطف الشعب الإسرائيلي مع عائلة شاليط والمطالبة بإطلاق سراحه.
على إثره تشكلت حركة "للعودة الآن" (Bring Back Our Boys) بقيادة عائلة شاليط وحققت تأثيرًا كبيرًا في الساحة العامة الإسرائيلية، وأصبحت عائلة شاليط رمزًا للأسر المتضررة من الاختطاف وسعت جاهدة لضمان عودة جلعاد بأمان.
وقد شهدت إسرائيل حملات احتجاج وتظاهرات حاشدة تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات قوية لإطلاق سراح شاليط وتأمين عودته. وتوحدت الأحزاب السياسية في إسرائيل خلف الجهود الدبلوماسية لإنهاء احتجازه.
مع مرور الوقت واستمرار احتجاز شاليط، زاد الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتصعيد واتخاذ إجراءات قوية لإطلاق سراحه. وقد شنت القوات الإسرائيلية عمليات بحث وتمشيط مكثفة في محاولة للعثور على معلومات تؤدي إلى مكان احتجازه، إضافة إلى شن اغتيالات وتصعيدات مستمرة ضد قطاع غزة.
بعد مرور خمس سنوات من احتجازه، أصبحت قضية جلعاد شاليط أحد الملفات الأمنية والسياسية الرئيسية في إسرائيل، وكانت ردود الفعل المستمرة تشمل الغضب والاستياء من عدم تحقيق تقدم ملموس في جهود إطلاق سراحه.
وعند إعلان صفقة جلعاد شاليط في عام 2011، سادت مشاعر من الفرح والتخفيف بين الإسرائيليين، وفي المقابل كان هناك بعض الانتقادات والجدل المحيط بصفقة الأسرى التي أدت إلى إطلاق سراح جلعاد شاليط. بعض الأصوات في إسرائيل عبرت عن قلقها بشأن قيمة الأسرى المفرج عنهم وخشيتها من أنهم قد يتورطون في أعمال إرهابية مستقبلية.
نتنياهو وصفقة شاليط
لعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دورًا حاسمًا في صفقة إطلاق سراح جلعاد شاليط، حيث كان نتنياهو خلال تلك الفترة له صلاحيات واسعة في تحديد المواقف واتخاذ القرارات الهامة.
نتنياهو كان من أوائل الشخصيات السياسية الإسرائيلية الذين تحدثوا علنًا وواجهوا الرأي العام الإسرائيلي بضرورة إطلاق سراح جلعاد شاليط والتعامل مع قضيته كأمر ذو أهمية قصوى. قدم الدعم السياسي والدبلوماسي لعملية التفاوض والتوسط في الصفقة.
ونظم جلسات عمل واجتماعات مكثفة لمتابعة التطورات والتواصل مع أجهزة الأمن ووكلاء الاستخبارات للعمل على تحقيق إطلاق سراح جلعاد شاليط بأمان، كما تعاون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية لإبراز أهمية هذه القضية وضرورة إعادة الجندي المختطف إلى الوطن.
بعد الاتفاق النهائي على صفقة الألف، أعلن نتنياهو بنفسه عن نجاح الصفقة وعن إطلاق سراح جلعاد شاليط. قدم الدعم السياسي لعائلة شاليط والتأكيد على أن سلامته هي أولوية قصوى بالنسبة للحكومة الإسرائيلية.
ليبرمان وصفقة شاليط
أعرب أفيغدور ليبرمان عن مواقفه الحازمة بشأن الأمن الإسرائيلي ورفضه التفاوض مع حماس وقوى المقاومة، وانتقد بشدة الصفقة التي تم التوصل إليها لإطلاق سراح جلعاد شاليط، واعتبرها تنازلاً غير مقبول وتحقيقًا لمكاسب سياسية لحماس وتعزيزًا لسمعتها الدولية، واعتبر أن الصفقة أدت إلى تشجيع مزيد من الاختطافات في المستقبل وتقويض الردع الإسرائيلي.
كما رفض ليبرمان أفكار التفاوض المباشر مع حماس ودعم استراتيجية توجيه ضربات قوية لها؛ بهدف إحلال الأمن والاستقرار في إسرائيل.
ليبرمان كان من بين الأصوات الأكثر صرامة في الحكومة الإسرائيلية والمعارضة تجاه صفقة إطلاق سراح جلعاد شاليط وله مخاوفه بشأن التزامات الأمن والسياسة التي ترتبط بها.