قراءة تعبوية لعملية جنين العسكرية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : الموقف :  

شهدت مدينة جنين ومخيمها عملية عسكرية استمرت ما يقارب 45 ساعة ـ من الساعة  0040 21 05 2024 حتى الساعة 0030 23 05 2024 ـ ، حيث أطلق العدو عليها أسم عملية " ما وراء الجدار3 " ، أما المقاومة فقد أطلقت عليها اسم " أسوار الموت " . وقد شارك في العملية قرابة 1000 جندي من اللواء الإقليمي " منشيه "  ــ كون منطقة العمليات تقع ضمن مسؤولة هذا اللواء ــ وما تحت إمرته من وحدات إسناد ودعم قتالي وخدمي  ، ، كما صاحب نشاط العدو جهد هندسي تمثل بتشغيل آليات من نوع  D9 المجنزرة  و جرافات مدولبة ، وحفارات هدم المنازل المدرعة . هذا وقد أسفرت العملية عن ارتقاء 12 شهيداً من أبناء المدينة ومخيمها ، كما أُفيد عن استهداف نقالة جنود من نوع " نمر " أثناء نقلها بعض المعتقلين خارج منطقة العمليات ، كما لم تسلم البنى التحتية في المخيم من أضرار بالغة ناتجة عن تعمد آليات هندسة الجيش تجريفها وتخريبها ، فضلاً عمى يلحقه سير الآليات المجنزرة من ضرر على الشوارع المرصوفة والمسفلتة .    

ثانياً : نوع القتال وفكرة المناورة المعادية :  

إن متابعة عملية العدو من خلال ما نُشر من مقاطع فيدو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، والتي رصدت حركة العدو ساعة بساعة ، ولحظة بلحظة ، وما نشر من تقارير حول العملية ، يمكّنا من معرفة فكرة مناورة العدو أثناء العملية ، ونوع قتاله .  

أ‌. فكرة مناورة العدو :  

تتمثل فكرة مناورة العدو بالقيام بعملية ( اجتياح ) سريعة ومتنقلة ، يداهم من خلاها المدينة والمخيم من أكثر من محور ، بحيث يصعب على المراقبين ، أو مجاميع المقاومة المنتشرة في منطقة العمليات ، تحديد محاور الجهد الرئيسي لمناورة العدو ، أو تحديد النقلة الثانية في أي تحرك تكتيكي تقوم به قواته ، بحيث يُجبر مجاميع المقاومة على الانتشار على أكبر رقعة جغرافية في المخيم  ، بحيث يفقدها ميزة " الحشد " المطلوبة لمواجهة جهود العدو ، كما أنه ـ العدو ـ ومن خلال تحركه السريع وغير معلوم الوجهة ؛ يجبر المقاومين على الحركة والخروج من أماكنهم ( المحصنة ) ، مما يعرضهم لاستهداف وسائط قتال العدو ؛ البري والجوية.  

ب‌. نوع قتال العدو :  

إن هذا النوع من القتال يعرف بالقتال " التصادمي " ، وهو نوع من أنواع القتال الذي تخوضه القوات المتواجهة في منطقة عمليات واحدة ، بحيث تصدم مع بعضها البعض بشكل مفاجئ ، تكون فيه الغلبة للأكثر قدرات  ، ومن يملك السيطرة البرية والجوية على ساحات العمليات وبقعها ، حيث يُعد هذا النوع من القتال ، من أكثر التحديات التي يواجهها القادة الميدانيين أثناء حركتهم التعبوية أو الإدارية في ساحة العمليات .  

1. أين يمكن توقع القتال التصادمي :  

أ‌. أثناء الحركة أو المسير التعبوي أو الإداري .  

ب‌. أثناء التقدم لاحتلال العوارض الحساسية في مناطق العمليات .  

ت‌. أثناء التعزيز ودعم خطوط الدفاع الضعيفة .  

ث‌. أثناء الهجوم المضاد أو المعاكس .  

ج‌. أثناء التحرك للخروج من الحصار .  

ح‌. أثناء مطاردة العدو أو عمليات استثمار النصر .  

2. عناصر نجاح وتفوق القوات في القتال التصادمي :  

أ‌. الإبداع والابتكار في طرق وأساليب الاحتكاك والتماس مع العدو .  

ب‌. الحسم السريع في المواجهة ، ومنع تطور الموقف لصالح العدو ، أو خروجه ـ الموقف ـ عن السيطرة .  

ت‌. الرأي الصحيح والوازن في أخذ قرار التماس مع العدو أو قطعه  .  

ث‌. كفاءة القائد .  

3. قواعد وأصول القتال التصادمي :  

أ‌. توقع العدو في كل مكان أثناء الحركة أو المسير .  

ب‌. استثمار المفاجأة أثناء التماس مع العدو .  

ت‌. سرعة الإجراء .  

ث‌. رعاية أصل التأمين الشامل .  

ج‌. اللامركزية أثناء إجراء المناورة على الأهداف .  

ثالثاً : هدف العدو من عملية جنين الأخيرة  :  

1. تحييد ـ قتلاً أو أسراً ـ  أكبر عدد ممكن من المقاومين .  

2. ضرب أصول المقاومة ـ ورش ، مخازن ، غرف مراقبة ـ  المادية في منطقة العمليات .  

3. كي وعي الحاضنة الشعبية من خلال استهداف الأصول الخدمية المدنية في منطقة العمليات .  

4. جمع معلومات أو التحقق منها ، ومحاولة زرع وسائل تجسس الكترونية تفيد في إدامة سيطرة العدو المعلوماتية على منطقة العمليات .  

5. فحص مدى تطور قوى المقاومة من الناحية البشرية والمادية والفنية والتشغيلية .  

6. إدامة تماس قوات العدو مع منطقة العمليات ، بحيث لا يتكون حاجز رهبة وغربة بين المقاتل والبيئة القتالية .  

رابعاً : تحليل سلوك العدو :  

1. الانطلاق من أكثر من محور ومعبر ـ الجلمة ، دوتان ، سالم ـ باتجاه منطقة العمليات .  

2. المحاصرة الخارجية لمنطقة العمليات وعزلها عن المحيط القريب ـ نابلس ، طول كرم ، قلقيلية ـ ومنع أي إمداد قد يتحرك من هذه المناطق باتجاه منطقة العمليات .  

3. عزل منطقة المخيم عن المدينة ، وتحويلهما إلى منطقتي عمل منفصلتين .  

4. تحرك الجهد الهندسي بالتوازي مع الجهد القتالي ودعماً له ـ عمل سواتر ، فتح طرقات ومعابر ، هدم منشآت ، إغلاق ممرات ـ .  

5. مواكبة جوية وتسطيح لساحة العمليات عبر مسيرات " كوابكبتر " أو المسيرات المجنحة .  

6. مرونة وسرعة في الحركة والمناورة في كامل منطقة العمليات ، بحيث كان يُفاد عن وجود القوات في أكثر من مكان ومن ثم انتقالها السريع دون القدرة على التثبت من مكان تموضعها الأصلي أو الحقيقي .  

7. إبقاء المقاومين في مربع رد الفعل ، وعدم القدرة على المبادرة في أي أعمال ( هجومية ).  

8. التحقيق الميداني والاستثمار الآني للمعلومات المُحصلة في تطوير المناورة ، وتحقيق الأهداف .  

خامساً : تحليل سلوك المقاومة :

1. عمليات مناوشة نارية بالأسلحة الفردية .  

2. تشغيل العبوات الشعبية على بعض محاور تقدم وفعل العدو .  

3. محاولة تلويث الأجواء وحجب الرؤية الجوية عبر إشعال الإطارات .  

سادساً : بعض إجراءات مواجهة عمليات القتال التصادمي  :  

1. جمع المعلومات والإنذار المبكر على العدو .  

2. التحضير والتسليح المسبق للأرض .  

3. تجنب القتال الحاسم مع العدو .

4. تلويث الأجواء وحجب الرؤية الجوية عن العدو .  

5. توقع مناورة العدو بناء على المعرفة ـ معرفة المقاومة ـ المسبقة لمراكز ثقلها وأصولها البشرية والمادية التي قد تكون  أهدافاً لمناورة العدو .  

6. درس وتحليل هذه العملية واستخلاص الدروس والعبر العسكرية والأمنية منها ، للاستفادة  المستقبلية .  

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .  



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023