د. حسام الدجني يكتب: محكمة العدل الدولية وقرارها المرتقب
قناة تحليلات سياسية


د. حسام الدجني 


 أنظار العالم أجمع ننتظر خلال الساعات القادمة قراراً تاريخياً سيصدر عن محكمة العدل الدولية وذلك يوم غد الجمعة الموافق 26/1/2024م، في ضوء شكوى تقدمت بها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقدمت بأدلة وشواهد ووثائق لإثبات جرائم إسرائيل ضد غزة ما بعد السابع من أكتوبر/2023م.


يطرح المقال تساؤلات عديدة: ما هو السيناريو الأكثر ترجيحاً لقرار المحكمة...؟ وما هو المتوقع إسرائيلياً بخصوص الالتزام بمحتوى القرار...؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لما بعد القرار وكيفية توظيفه سياسياً واعلامياً وقانونياً...؟ وهل سيكون للقرار انعكاسات على سير الوساطات الدولية والاقليمية لوقف اطلاق النار وتبادل الأسرى...؟


أولاً: السيناريو المرجح لقرار المحكمة.


قرار محكمة العدل الدولية المتعلق بالتدابير المؤقتة وهي نوع من الأوامر التقييدية لمنع تفاقم النزاع في أثناء نظر المحكمة في حرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، إذ غالباً ما يعلن قضاة محكمة العدل الدولية مثل هذه التدابير، والتي تتكون عموماً من مطالبة دولة بالامتناع عن أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع القانوني.


والسؤال هنا: هل سيكون القرار إيجابياً ضمن هذا السياق...؟


الأكثر ترجيحاً بأن يكون القرار إيجابيا ولكن قد لا تكون حاسمة بالشكل الذي يأمله الفلسطينيون أي الاستجابة لطلب جنوب أفريقيا بشكل كامل، إلا أن أي قرار يطالب إسرائيل بوقف حربها على غزة سيربك حساباتها وحسابات حلفائها.


 ثانياً: الموقف الإسرائيلي من القرار المحتمل.


سترفض إسرائيل القرار بلغة دبلوماسية ناعمة تهدف لامتصاص الآثار المترتبة عليه داخلياً وخارجياً، انطلاقاً من أن قرار المحكمة غير ملزم لها، وستعمل الدبلوماسية الإسرائيلية في مواجهة الآثار الاعلامية والقانونية والسياسية للقرار على إسرائيل وصورتها أمام الرأي العام الغربي والشرقي، للتخفيف من الضغط المتوقع على حلفائها، وهو ما يستدعي خططاً فلسطينية عربية عالمية للانتصار للقانون الدولي، ولحماية الإنسانية، وفضح الصورة الحقيقية لإسرائيل في معركة الرواية والسردية لتحقيق هدف استراتيجي لا يقل أهمية عن هدف التحرر الوطني ويتمثل في التأكيد على أن إسرائيل عبئاً استراتيجياً على حالة الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي، وأن مبررات وجودها يجب أن تكون محط نظر حلفائها قبل أعدائها.  


 ثالثاً: السيناريوهات المحتملة ما بعد القرار، وآليات توظيفه.


سيحدد الموقف الرسمي الإسرائيلي شكل وجوهر السيناريوهات المحتملة، فإن قبلت إسرائيل بالقرار وأعلنت عن وقفها لإطلاق النار وهذا غير مرجح، إلا أنه ممكن لاسيما في ظل التحولات الداخلية والخارجية التي تعصف بالمواقف الدولية وعلى رأسه الموقف الأمريكي وآخرها التطور اللافت اليوم في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث وقع 49 من أصل ٥١ من كتلة الحزب الديمقراطي الأمريكي داخل مجلس الشيوخ للإضافة على بند دعم إسرائيل قراراً اضافياً بالتزامها بالقبول بحل الدولتين، واذا انضم عضوان من الجمهورين يصبح القرار نافذ . واللافت أن من تقدم لهذا التعديل هو سيناتور يهودي من ولاية هاواي.


 أما في حالة رفض إسرائيل لهذا القرار فإن السيناريو المرجح وآليات التوظيف يتمثل في السير ضمن ثلاثة مسارات:


▪️ الأول: الذهاب بشكوى من جنوب إفريقيا لمجلس الأمن، وهذا هاجس للولايات المتحدة وهل ستستخدم الفيتو أمام هكذا قرار في هكذا توقيت مع زيادة الضغط الشعبي الرافض للحرب، والتوتر بالعلاقة مع نتانياهو وقرب الانتخابات الامريكية.


▪️ الثاني: توظيف القرار في المحاكم الدولية والمحلية للدول عبر مقاضاة إسرائيل وملاحقة قادتها السياسيين والعسكريين والأمنيين.


▪️ الثالث: توظيف القرار اعلامياً وسياسياً عبر فضح إسرائيل وتعزيز الرواية الفلسطينية، وسياسياً من خلال فرملة قطار التطبيع ومطالبة الدول التي تربطها علاقات مع الكيان وقفها، فلا يعقل أن تبنى علاقات سياسية ودبلوماسية مع دولة تمارس جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.


▪️رابعاً: انعكاس القرار على الوساطات الاقليمية والدولية لوقف الحرب.


في تقديري أن الوساطات التي لم تتوقف وربما تقترب من تحقيق اختراق ما في الوصول للهدف المتعلق بوقف إطلاق النار، سيكون لقرار المحكمة تداعيات عليها، ضمن ثلاث احتمالات:


▪️ الأول: المقايضة السياسية لسحب القضية أو تجاوز تداعياتها من طرف جنوب إفريقيا – لا أعلم إن كان يسمح نظام المحكمة – مقابل القبول بمطالب المقاومة من قبل إسرائيل ضمن صيغة تحفظ ماء وجه الكيان.

▪️ الثاني: سيشكل القرار ورقة ضغط إضافية للقبول بالجهد الدولي المتزايد في مطالباته لوقف اطلاق النار، وعليه تذعن إسرائيل للمبادرات المقدمة والتي تصر المقاومة الفلسطينية على وقف اطلاق النار بشكل شامل قبل البحث بأي بنود أخرى.


▪️ الثالث: تعنت إسرائيلي والاستمرار بجرائمها ضد المدنيين في غزة، مع تغيير بعض من تكتيكاتها التي تخدم روايتها أمام الرأي العام الغربي.


 الخلاصة: قرار محكمة العدل الدولية تاريخي أي كان اتجاه هذا القرار لأنه من المؤكد أن سينصف الضحية وسيؤكد المؤكد بأن إسرائيل دولة أبارتايد وتمارس إرهاب الدولة، وهي أحد أهم الأسباب في حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023