المعاني التعبوية والسياسية لإدامة المعركة اليمنية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

توطئة : 

منذ شن الكيان المؤقت الغاصب لفلسطين حربه على أهلنا في غزة، كرد على مفاجأة المقاومة له و(نعف) ألويته وكتائبه، وأسر جنوده في معركة " طوفان الأقصى " في السابع من أكتوبر 2023، تداعت قوى الأمة الحية؛ الشعبية منها والحزبية لمؤازرة أهلنا ومقاومينا في غزة، فبدأ " حزب الله " مناوشته وإشغاله للعدو في اليوم التالي لبدء الحرب، مطوراً دوره وأنماط اشتباكه مع العدو، وصولاً إلى الحرب الشاملة التي خاضها العدو على لبنان في السابع والعشرين من أيلول 2024، مُفتتحها باستهداف مقر عمليات السيد الشهيد، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رحمه الله، والتي ـ الحرب ـ أفضت إلى ما أفضلت له من نتاج وأمور؛ ليس محل بحثها والتفصيل فيها هذه الورقة. 

كما لم يتواني العراق بفصائل حشده، ومقاومته عن مواكبة هذه المعركة، إسناداً وتأييداً. كما أن اليمن بجيشه وشعبه لم يتأخر في الالتحاق بهذه المعركة، فبدأ بإطلاق صواريخه ومسيراته باتجاه أرضنا المحتلة، وصولاً إلى تفعيل ورقة الحصار البحري على الكيان المؤقت، والتي لم يُفعّلها عندما كان عربان ممالك الرمال وحلفاؤهم يخوضون حرباً ضده على مدار ست سنوات. بل إن الدولة اليمنية ذهبت في الموقف أكثر من ذلك، عندما رفعت من سقف تحديها للعدو، معلنة أنها لن ترفع الحصار البحري عن الكيان المؤقت، مالم تقف الحرب على غزة، ويرفع الحصار عنها. 

ثم تطور الموقف؛ فهب رعاة الكيان المؤقت لنجدته فأنشأوا قوة بحرية أطلقوا عليها اسم " تحالف الإزدهار" !! الهدف الرئيسي منه: رفع الحصار عن الكيان المؤقت، ولكن الاسم الحركي لهذا التحالف كان فتح الممرات المائية الدولية وإبعاد التهديد عنها!! ثم تطور الموقف إلى أن شمر ( أزعر ) الكون عن ساعد جِدّه، واستعان (بِجّدته) عجوز القارة الأوربية الممثلة بالمملكة البريطانية، في فعل صريح، ومجنداً آخرين من العجمان والعربان في فعل مخفي، تجند الجميع لشن حرب على الدولة اليمنية، مستخدمين ما يملكون من قدرات ووسائط نار، لثني هذه الدولة الأصيلة، والشعب الوفي الشجاع عن نصرة أهلهم وأهلنا في غزة، فاستشهد من استشهد، ودُمر من مقدرات الدولة اليمنية ما دمر، ولكن الموقف بقي على ما هو عليه، بل أكثر من ذلك؛ فقد قصف الجيش اليمني بالأمس عمق فلسطين المحتلة بصاروخ فلسطين الفرط صوتي، والذي تبلغ سرعته 16 ماخ، أي ما يعال الـ 20 الف كلم في الساعة!! قصف به مطار اللد الدولي أو ما يعرف بمطار " بن غوريون " فاحدث فيه وفي منظومة الكيان المؤقت؛ الرسمية والشعبية من الأثر النفسي والمعنوي، ما يفوق بمئات المرات ما أحدثه من أثر قتالي تدميري ممثل بحفرة يزيد قطرها على 30 متر، وعمقها عن الـ 25 متر. وهنا نفتح قوس لنقول: أن تركيبة الكيان المؤقت، الرسمية منها والشعبية، تترك فيها النتائج المعنوية والنفسية لأي فعل قتالي، مهما صغر وقل، تترك فيهم آثاراً أكبر بكثير مما يحدثه ويحققه من نتائج تعبوية أو تدميرية. 

إلّا أن اللافت في الموقف، ليس الإطلاق ولا ما نتج عنه من آثار تعبوية أو معنوية، إنما اللافت كان فيما أعقبه من بيان للقوات المسلحة اليمنية، قرأه الناطق باسمها العميد " يحيى سريع " عندما رفع التحدي في وجه هذا الكيان المؤقت، ورعاته من عربان وعجمان، قائلا : أن الدولة اليمنية بقواتها المسلحة عازمة على فرض حصار جوي على الكيان المؤقت، إلى حين وقف القتال في غزة ورفع الحصار عنها، مرفقة وسائل الإعلام التي نشرت هذا البيان، أخبارها وتقاريرها بصورة مهيبة لقيادة القوات المسلحة اليمنية بكامل ضباطها وأركانها، وقادة صنوفها، برئاسة الرئيس اليمني " مهدي المشاط "، في مكان بدى من مظهره الأول أنه غرفة محصنة؛ أغلب الظن أنها ملحقة بغرفة عمليات وقيادة وسيطرة، تدير الدولة اليمنية حربها ضد الكيان المؤقت ورعاته منها. 

إن هذا المشهد الذي جئنا على ذكره، وفصّلنا في ملابساته، وتدرجنا في متابعة تطوره، يستبطن في ( أحشائه) كثيراً من المعاني السياسية والتعبوية، تأتي هذه المقالة على ذكر أهمها، وأبرزها، والتي منها ما يأتي :    

  1. قرار سياسي على أعلى مستوى بالذهاب في شوط هذه الحرب إلى آخره؛ فأن يخرج قائد " أنصار الله " السيد " عبد الملك الحوثي" في خطبه الأسبوعية، ومناسبتهم الرسمية والشعبية، ليؤكد أنهم ماضون في المعركة مهما طال زمنها، وعلت تحدياتها، وكثرة تضحياتها، وزاد المشاركون فيها، فهذا ليس له معناً إلّا أن اليمن بجيشه، وشعبه، ذاهب في الشوط إلى آخره، والعاقبة للمتقين . 
  2. مستوىاً فني مستعد لتحويل هذا القرار السياسي إلى فعل عسكري. فأن نرى تدرج الارتقاء القتالي، والتنوع في الفعل التعبوي، وإدامة النار اليمنية باتجاه فلسطين المحتلة، فهذا ليس له أيضاً من معنٍ إلّا أن اليمن الدولة، واليمن الشعب، يملك من القدرات الفنية ما مكّنه، ويمكنه من ترجمة القرار السياسي إلى فعل عسكري، وفي هذا خيرٌ لليمن إبتداءً، وللأمة الإسلامية وسطاً، ولفلسطين وقضيتها انتهاءً. 
  3. حاضنة شعبية، مستعدة أن تتحمل المخاطر، وتدفع الأكلاف. فلا يمكن أن يُفسر هذا الصمود، وهذه التضحيات، ومشاهد التأييد الأسبوعية التي تملأ شوارع اليمن العزيز ومدنه؛ لا يمكن إلّا أن تفسر أن هناك حاضنة شعبية مستعدة ومواكبة، هذا إن لم تكن ضاغظة على قيادتها لتزيد من مستوى مشاركتها، حتى لو علت أصوات بعض المشاغبين القابعين في أحضان ممالك الرمل والطين . 
  4. وجود إمكانيات تعبوية وفنية قادرة على إدامة التهديد على العدو الخارجي، وهذا ظاهر بائن لا يمكن عدم ملاحظته، فأن تشتبك ـــ في المعدل العام ـــ مع العدو البعيد، عنينا به الكيان المؤقت أربع مرات اسبوعياً، وأن تواكب فرض حصار بحري على العدو، والاشتباك مع ( ازعر) الكون في البحر، وتتصدي لعدوانه الجوي، وأن توصل نارك التي يتسابق إلى اعتراضها العربان قبل العجمان، في ظروف قتالية مثل التي يشهدها اليمن، أن تفعل ذلك بنجاح وكفاءة عالية، فهذا يعني ما قلناه في بداية هذه الفقرة من استنتاج وخلاصة .  
  5. توفر من الإمكانيات ما يساعد على التصدي لأي عبث في الجبهة الداخلية، فكما أن هناك عدو خارجي متوثب؛ فإن هناك منافس، ومتضرر في الداخل متربص، فأن تستطيع دولة التعامل بكفاءة عالية مع التهديد الخارجي، والتعامل بحكمة مع التهديد الداخلي، فهذا يعني أيضاً امتلاك قدرات تمكن من المواكبة لهذين التهديدين، على أمل القضاء على الأول، وصحوة ضمير عند الثاني.
  6. فشل العدو الأصيل (أمريكا) و الوكيل( الكيان المؤقت) والدخيل( بعض العربان)، فشلهم مجتمعين في الحد من أو تحييد القدرات المخصصة للتعامل مع هذين العدوين؛ الوكيل والدخيل، وهذا من أهم دلالات إدامة هذه المعركة وتطور مواقفها. فلا مقلاع داود المعادي في فلسطين، ولا (باتريوت) الأمريكي و(ثاده) المنتشرة في قواعده في ممالك العربان، قادرة على وقف هذا التهديد، مهما على صراخهم، وزاد نشر عتادهم، فالله سبحانه عز وجل، هو القادر المسير المهيمن، معز المؤمين، مذل المنافقين والكافرين .   
  7. توفر خط إنتاج وإمداد وإدامة للمعركة، فاعل ومؤثر ومواكب، فالمعارك لا تخاض، ولا تفتح نارها إذا لم يكن هناك تصور واضح ودقيق عن سبل إدامتها وإمدادها؛ بشرياً وماديا، وإدامة معركة الدولة اليمنية مع بعض مدعي العروبة والإسلام على مدار الثمان سنوات الماضية، ثم دخولهم غير المتأخر على معركة إسناد غزة، هي أمور تبعث على الارتياح ـــ وليس الركون والنوم في العسل ــ والإطمئنان إلى أن الدولة اليمنية بشعبها، وجيشها، وفصائلها الصادقة، تملك من خطوط الإمداد والإدامة، ما يمكنهم بعد معية الله سبحانة، من إدامة هذه المعركة، والخروج منها مرفوعة الرأس، كما دخلتها شمّة الأنف. والذي لا يؤدبه الزمن، يؤدبه اليمن. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023