أولأً: بين يدي الموضوع :
كنا قد تحدثنا فيما مضى عن مدارس ومذاهب الأمن القومي، التي تقوم الدول بناء على ما تتبناه منها، بصوغ نظريتها الخاصة لأمنها القومي، وتشتق منه أهدافأ، وتضع رؤى، وتصوغ ضوابط، وتقر سياسات. وفي حينيه قلنا أن مدارس الأمن القومي أربع لا خامس لها هي:
وحيث أننا منذ أربعة أيام في محضر الاشتباك الناري بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والكيان المؤقت الغاصب لفلسطين، وحيث أن منطلق ومبدأ ومحرك قيام العدو بالتعرض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منطلقه ما يتبناه هذا الكيان الموقت من نظرية أمن قومي قائمة على محورية التهديد. حيث أن الموقف كذلك؛ نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لبسط الحديث حول هذه المدرسة، بما يساعد على فهم الموقف الذي نحن في صدده، واقتراح بعضاً من الإجراءات الممكن أن تساعد في مواجهة مثل هؤلاء الأعداء.
ثانيا: في أصل الموضوع:
الأمن: الأمن هي الحالة التي تتم فيها عملية التوازن بين الضرر والتهديد.
التهديد: هو الحالة التي تتم فيها رجحان كفة المخاطر على حساب الضرر.
مذهب الأمن القومي القائم على محورية التهديد: هو أحد مذاهب الأمن القومي الذي تتبناه الدول لمواجهة التهديدات والمخاطر الناتجة عنها، بحيث تقوم هذه الدولة بمحاولة إحباط هذا التهديد في مهده، قبل تبلوره، وخروجه إلى حيز التنفيذ، عن طريق عملية استباقية، تشنها تحت مختلف الذرائع.
من صفات وميزات الدولة المستهدفة ــ الدولة التي تتبنى مدرسة محورية التهديد ـــ أنها هشة، ضعيفة، لا يمكن أن تتحمل تهديد خصمها أو عدوها لها، كونه يمتلك قوة (القوة = قدرة + إرادة) يستطيع عند تشغيلها الحاق أذاً جدي بها. هذه الدولة ــ المستهدفة ــ لو كانت قادرة على ستر أو القضاء على مكامن ضررها ، وتقوية نقاط ضفعها؛ كانت ستواجه التهديد عندما يخرج إلى حيز التنفيذ، أو عند وصوله إلى مناطق نفوذها، السياسية أو الجيوسياسية، وما كانت لتبادر للخروج لضربه في عقر داره، مثل هذه الدول في العادة تكون فاقدة للعمق الاستراتيجي الذي يُمكّنها من استيعاب التهديد، والمخاطر الناتجة عنه، وحيث أنها غير ذلك، تبادر بالعمل، ولا تنتظر وصول التهديد إلى عقر دارها. لذلك تقوم هذه الدولة ببناء مسار قوات قادر على جعلها تمتلك القدرة على:
هذه بعض الإجراءات التي تقوم الوحدات، أو الحركات السياسية، بالعمل بمقتضاها بهدف القضاء على التهديد في مهده، أو الحد من مخاطره.
لمواجهة مثل هذه الدول، أو الكيانات التي تتبنى مثل هذه المذهب في الأمن؛ هناك فرضتي عمل:
الفرضيةالأولى: أن المواجه هو دول ذات سيادة، معروفة الحدود، مشخصة الأصول الاستراتيجية، البشرية والمادية.
الفرضية الثانية: أن المواجه لمثل هذه الدولة هو كان سياسي غير (دولتي)، كأن يكون حركة مقاومة، أو حزب سياسي مثلاً.
وهنا تتشعب طرق العمل، والإجراءات، الأمر الذي يطول الحديث حوله، لذلك سنكتفي بذكر بعض الإجراءات والضوابط والتدابير الكلية المتصورة لمواجهة مثل هذه الدولة، والتي من أهمها ما يأتي:
نكتفي بهذا القدر من التوجيهات، آخذين بعين الاعتبار أن كل توجيه منها ينبثق عنه سلسلة طويلة من الأعمال والإجراءات، حتى يخرج من حيز الإنشاء إلى حيز الفعل. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.