تُعتبر عملية عربيات جدعون 2 أخطر ما نفّذه الاحتلال منذ بداية عدوانه على غزة، إذ يلجأ خلالها إلى استخدام مكثّف لأسلحة محرّمة دوليًا، وعلى رأسها العربات المصفحة الانتحارية المتفجرة التي يتم التحكم بها عن بُعد، وهي على هيئة دبابات صغيرة محمّلة بأطنان من المواد شديدة الانفجار، تُدفع إلى الأحياء السكنية ثم تُفجَّر، في عملية تدمير شامل لا تترك وراءها سوى الركام.
الاحتلال في هذه العملية لا يقاتل مواجهة، بل يعتمد على التفجير عن بعد والقصف الجوي الكثيف، في محاولة لتقليل خسائره البشرية عبر سياسة "الأرض المحروقة"، حيث يُسخّر التكنولوجيا والمسيّرات والعربات المتفجرة بدلًا من المواجهة المباشرة.
هذه العملية تحمل تداعيات كارثية، خاصة على أكثر من مليون فلسطيني ما زالوا في مدينة غزة، والذين باتوا مهددين بالقتل والجوع والإبادة والتهجير القسري. كما أن حياة الأسرى الإسرائيليين المتبقين في غزة أصبحت في مهب الريح، وهو ما حذرت منه كتائب القسام منذ اللحظة الأولى لبدء هذه العملية.
المؤشرات الميدانية تؤكد أن الاحتلال بدأ بالفعل بتطويق مدينة غزة والسيطرة على أكثر من نصفها، فيما يجري تضليل إعلامي ممنهج للتغطية على حقيقة ما يحدث وامتصاص ردود الفعل الإقليمية والدولية. الهدف الاستراتيجي لهذه العملية يبدو واضحًا: احتلال المدينة وتهجير سكانها وتحويلها إلى أرض قاحلة، بما يجعل عودتهم إليها شبه مستحيلة، ويحوّل إعادة إعمارها إلى تحدٍ هائل.
الأخطر أن هذه العملية ليست مجرد عدوان عسكري، بل هي خطوة سياسية بامتياز، تهدف إلى نسف أي أفق للحل السياسي، وإفشال المطالب الدولية بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية. فحكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة تسعى من خلال هذا المسار إلى فرض واقع جديد يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية سواء في الضفة أو غزة، خصوصا بعد المطالبات الدولية بإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة.
إلى جانب ذلك، فإن التكلفة المالية لهذه العملية باهظة للغاية، إذ تعتمد على تكنولوجيا عسكرية متطورة وصفقات سلاح ضخمة، وهو ما يفسّر سكوت الولايات المتحدة وتغاضيها عن هذه الجرائم، نظرًا لمصالحها الاقتصادية والعسكرية المرتبطة بالصناعات الحربية الإسرائيلية.
إن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد عملية عسكرية، بل جريمة حرب مكتملة الأركان، وجريمة ضد الإنسانية، تستهدف الإنسان والأرض والحجر والمستقبل الفلسطيني برمته.
إنّ الإبادة الدائرة اليوم على غزة، وخاصة في مدينة غزة، ليست مجرد عدوان موضعي، بل هي تهديد مباشر للسلم الدولي وللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. كما أنها تمثل ضربة للمشروع الوطني الفلسطيني برمّته، إذ يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى الحسم ليس فقط في قطاع غزة، وإنما أيضًا في الضفة الغربية ولبنان وسوريا، وربما يمتد طموحه إلى مصر والأردن.
ومن هنا، فإن عدم التحرك الجماعي والجاد لوقف هذا العدوان سيجعل نتائجه وبالًا على شعوب المنطقة وقواها الحية. والمطلوب الآن من القوى الفلسطينية الكبرى أن تتحرك بسرعة، وعلى الساحة في الضفة الغربية أن تضطلع بدور فاعل في الضغط على الاحتلال، فالمعركة لم تعد محصورة في غزة وحدها، بل جاء دور الجميع.