حين يصبح التحذير من "إسرائيل" خطابا عبثيّا

ساري عرابي

باحث ومختص في الشأن الصهيوني

نعم، يعتقد البعض، وهذا من صنف المخلصين، أنّ إسرائيل بلغت حدّا من الانفلات إلى درجة أنّه لن يمنعها شيء عن إحراج حلفائها وأصدقائها في الدول العربية، وهذا صحيح، لكن لو كانت هناك حاجة إسرائيلية لفعل ذلك تتجاوز الهدف الأمني الصرف، لأنّها قادرة على اغتيال قيادات المقاومة بأدوات استخباراتية تحول دون الحرج السياسي الذي يسببه القصف العلني، وهؤلاء القيادات أصلا لا وجود لهم ولا في أيّ بلد عربيّ باستثناء قطر، ومصر كما يقال، وما دامت الحاجة الإسرائيلية منتفية، فهي لن تتحامق بإحراج دول لم تتخذ إجراءات ضدها بعد العدوان على قطر، في حين أنّ إسبانيا اتخذت إجراءات ضدّ إسرائيل بسبب الإبادة على غزّة بما لا يمكن أن يخالط خيال الحكومات العربية المقيمة علاقات علنية مع إسرائيل، وإلا لنظرت إلى الأمر لو فكرت فيه على أنه نكتة تقتل من الضحك! حتى البلاد الخليجية التي لا تقيم علاقات علنية مع إسرائيل، وفتحت أجواءها للطيران الإسرائيلي سنتي 2022 و2023، لم تغلق أجواءها أمام الطيران الإسرائيلي بالرغم من قصف دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي من الجو!
يبقى أنّ إسرائيل تمثل خطرا على الأمن القومي العربي، واستقلال المنطقة، وخياراتها الحرّة، بنزوعها للهيمنة، وما يبدو في سلوكها من نزوع إمبراطوري واضح. وهذا الكلام حق، ولكن بشرط أن تراه الحكومات العربية كذلك، إذ لا يوجد مفهوم للأمن القومي العربي. والدول العربية التي أقدمت على التطبيع التحالفي مع إسرائيل، لم تفعل ذلك إلا لأنّها مؤمنة بحتمية الهيمنة الإسرائيلية، وهي تريد أن تستفيد من هذه الهيمنة، فهي مدركة لها، ولكنها لا ترى فيها بأسا (أي تعرف هذه الهيمنة وتقبلها لأنّها تراها ضامنة لمصالحها)، لأنّ دول المنطقة بنخبها الحاكمة لا تفكر إلا باعتبارين اثنين: الأول: مصلحة النخب الحاكمة، وهي محدودة بالزمان، أي بأعمار الحكام وشبكتهم الزبائنية، ومن كان هذا حاله فهو لن يفكر في مستقبل الأجيال القادمة، ولن يفكر باستكمال التحرر والتخلص من الهيمنة لأنّ هذا مهدد لمصالحه المباشرة والآنية في حدود عمره، ولا سيما أنّ الولايات المتحدة في ظهر إسرائيل حتى النهاية، والثاني: الاعتياد على القواعد المفروضة من قوى الهيمنة، بحيث يبدو لتصوراتهم أن العمل على تغيير موازين القوى حماقة كبرى ومغامرة مدمرة، وهو ما يعني تأبيد البلاد العربية داخل الهيمنة الأمريكية/ الإسرائيلية، ومن ثمّ لا معنى من تحذيرهم من أمر يعرفونه ولا يرون فيه مشكلة!

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025