القناة 12
ترجمة حضارات
إن الاتفاق على إطلاق سراح الرهائن، وربما حتى تفكيك حكم حماس، يُعد انتصارًا إسرائيليًا، لكنه في الوقت ذاته خلق فرصة للرئيس التركي لترسيخ طموحاته الإمبريالية — في ظل غضّ الطرف من ترامب عن ذلك.
• أردوغان يعزز جيشه ويبني محورًا إقليميًا جديدًا
• إسرائيل تواجه واقعًا جيوسياسيًا خطيرًا
• رأي
عوديد عيلام، مسؤول كبير سابق في الموساد
أردوغان نجح في ما عجز عنه كل الوسطاء
حدث ذلك في جوف الليل، أشبه بنهاية فيلم حربي، حيث تتضح الصورة، وتُضاء الأنوار، ويعود الجميع إلى ديارهم. جميع المخطوفين، جميعهم، يعودون إلى إسرائيل. لم تعد هناك صيغة مؤثرة في اللغة العبرية، ولم تعد هناك لحظة مشحونة في النفس الإسرائيلية. بعد عامين من القلق العام، والشعور بالذنب، والشلل السياسي، والانجراف الدولي، والألم الوطني، تأتي هذه اللحظة برائحة انغلاق الدائرة، ورائحة دم وعرق ودموع دُفع ثمنها باهظًا.
لكن هذه ليست مجرد قصة عودة. إنها أيضًا المرة الأولى التي لا تستسلم فيها إسرائيل. الاتفاق في غزة ليس استسلامًا لمطالب حماس، بل إعلان: لقد انسحبت حماس من المشهد. وإن لم يكن ذلك تحت الأضواء، بل في ظل الدمار الذي ألحقته بنفسها. لم تعد حركة "حاكمة"، بل أصبحت ميليشيا واحدة من بين ميليشيات عديدة، جماعة مجزأة ومضطهدة، منشغلة الآن بمعرفة من سيتمكن من ارتداء الملابس المدنية قبل أن تحكم عليه الميليشيات المحلية أو السكان أو الفصائل المنافسة. لن يتم نزع سلاحها بصفعة على الوجه؛ بل بدافع الخوف، والمصلحة الذاتية، والانتقام الداخلي. حماس، التي كانت حتى الأمس تطالب وتهدد، أصبحت الآن ميليشيا تستجدي الحماية.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذا النصر، رغم كونه إسرائيليًا، يقف في ظل نصر آخر — نصر تركيا. لم تكن حاضرة في غرفة المفاوضات طوال الوقت، ولكن عندما وصلت، أو استُدعيت بتوسل، كسيارة إطفاء أُطلقت لإخماد حريق أشعلته هي نفسها بشكل غير مباشر، نجحت في ما لم تفعله قطر أو مصر أو الولايات المتحدة. فعّل أردوغان آلية ضغطه على بقايا القيادة في غزة، مستخدمًا مخارج رتّبها لهم مسبقًا. استسلمت حماس أكثر لأنقرة، وأكثر لواشنطن. يتحول الخطاب الدبلوماسي الآن إلى أنقرة: تركيا ليست مجرد وسيط مؤقت، بل لاعب رئيسي ومهندس للنظام الجديد.
الطموح العثماني
من الصعب تجاهل الطموح العميق للرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، لإحياء الإمبراطورية العثمانية والتحول إلى سلطان حديث.
أردوغان، تلميذ ترامب، الرجل الذي حوّل الاستبداد إلى فن، والأزمة إلى فرصة، فعلها مجددًا. لم يعد يكتفي بأن يكون بيدقًا إقليميًا؛ بل يخطط لعودة عثمانية من نوع جديد، وهو موقف يتفق عليه معظم الخبراء. يجادل كثيرون منهم بأن أردوغان يطمح إلى أن يصبح خليفةً، يحكم من أنقرة (أو إسطنبول) على القوى السنية في الشرق الأوسط، وربما حتى العالم أجمع.
قال أبراهام خليل باران، أحد قادة الحزب الكردي في تركيا:
"أردوغان، الذي يتصور إمبراطورية عثمانية جديدة، يسعى للسيطرة على الشرق الأوسط، والقضاء على العناصر التي يراها عقبات أمام تحقيق طموحاته... هذه الرؤية الأيديولوجية لا تقتصر على الشرق الأوسط؛ بل تمتد إلى منطقة شاسعة، تصل إلى حدود الصين... الرئيس أردوغان، الذي يجسد رؤية إمبريالية إسلامية كلاسيكية، يعتزم تنصيب نفسه سلطانًا وخليفةً في آنٍ واحد".
تأتي الخطوة التركية في ظل تنامي التعاون الأمني بين تركيا ومصر. وقد عُقد هذا العام اجتماع رفيع المستوى في أنقرة بين رئيسي الأركان التركي والمصري، حيث ناقشا توفير التدريب، وبناء صناعات دفاعية مشتركة، بما في ذلك المناورات المستقبلية. وعلى مدار العقد الماضي، لم تقتصر جهود تركيا على تعزيز قوتها البحرية بشراء غواصات متطورة، وتطوير حاملة طائرات خفيفة، واقتناء أسلحة بحرية هجومية، بل عززت أيضًا تعاونها مع دول أخرى في الشرق الأوسط.
وتجد دول المنطقة، مثل إسرائيل واليونان وقبرص، نفسها أمام رؤية عثمانية متجددة، حيث تعمل تركيا على ترسيخ الهيمنة الإقليمية من خلال حضور متزايد في سوريا، مع التركيز على وضع قواعد عسكرية مماثلة للنموذج الروسي.
في النظام الجديد في الشرق الأوسط، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب دورٌ محوري: فهو يُظهر تجاهلًا لحلفائه الطبيعيين، قادة الديمقراطيات المستقرة، وللزعماء الاستبداديين في المنطقة. وفي إطار هذه الصفقة غير المعلنة، تختار الولايات المتحدة ألا ترى. واشنطن، المنهكة من الحروب والمفاوضات التي لا تُحصى، لم تعد تملك طاقةً لكبح جماح أردوغان. سيدفع الأكراد الثمن مجددًا، لأن كل إمبراطورية إقليمية تحتاج إلى كبش فداء جغرافي.
يحق لإسرائيل الاحتفال بالاتفاق،
لكن ليس لها أن تغفو على حذر. قد يكون صوت أنقرة هذه المرة في خدمة السلام، لكنه يُردد أيضًا صدى انطلاقة خطوة جيوسياسية جريئة. إذا كان البحر الأبيض المتوسط ساحة لعب، فإن أردوغان قد وضع عليه بالفعل ليس ملكة واحدة، بل أسطولًا كاملًا.