حَجַاي لֵوي: نعيش في دولة مشبعة بالكراهية الجميع يستيقظ صباحًا ويكره أحدًا ما

هآرتس

نيريت أندرمان

ترجمة حضارات

فقط عندما صوّر في أمستردام سلسلته الجديدة «إِتي»، التي ستُعرض في السينما، أدرك حجاي لِوي إلى أي حد كان بحاجة إلى الهروب من الكراهية والغضب اللذين استشريا هنا.

منذ النجاح الجارف لمسلسل «بيتِعْبول» الذي طلبت منه HBO أن يصنع نسخته الأمريكية، وصُنعت له 18 نسخة أخرى حول العالم، لم يعد حجاي لِوي معتمدًا على المال الإسرائيلي، يعمل أساسًا في الخارج، يخلق مسلسلات مثل «ذا أفِير» و«الأولاد» و«مشاهد من حياة زواج» لشبكات مثل HBO وShowtime، يتمتع بمكانة أحد أبرز وأنجح صنّاع التلفزيون الإسرائيليين في العالم، ولا يعتمد على مؤسسات بث وصناديق في إسرائيل لكسب عيشه، هذه الحقيقة سهّلت عليه على الأرجح أن يتيح لنفسه على مر السنين أن يغوص مرارًا في ناشطية سياسية في مجال السينما. لكن ليس هذا فحسب.

قبل ست سنوات دعا زملاءه السينمائيين إلى التوقف عن التعاون مع «صندوق جسر» بسبب تعاونه مع «صندوق السامرة»، قبل ثلاث سنوات كان عضوًا في مجموعة جندت 140 سينمائيًا أعلنوا أنهم سيرفضون التعاون مع «صندوق السامرة» لأنه «ليس صندوقًا تعدديًا بل جزءًا من آلية الأبارتهايد»، وقبل سنتين دعا أعضاء أكاديمية السينما إلى عدم التصويت في مسابقة الأوفير للأفلام التي حظيت بدعم «صندوق السامرة»، كما ترأس مجموعة سينمائيين دعوا إلى عدم تقديم طلبات دعم لـ«صندوق رابينوفيتش» بسبب طلبه من المبدعين التوقيع على «إعلان ولاء» (التزام ألا يمس فيلمهم باسم دولة إسرائيل)، محرّرًا نفسه من التبعية للمال الإسرائيلي من أجل إبداعه، سمح لِوي لنفسه أن يهاجم بحرية المظالم السياسية في القطاع. وليس هذا فقط.

كان لِوي ناشطًا جدًا أيضًا في التظاهرات الصاخبة ضد «الانقلاب القضائي»، وفي إحدى تلك التظاهرات احتجزته الشرطة، وبعد 7 أكتوبر، مثل كثيرين غيره، انخرط فورًا في العمل، في البداية جاب البلاد بصناديق طعام ليُوزّع الأكل على جنود الاحتياط والنازحين، ثم انضم إلى عشرات المبدعين لمساعدة مقر عائلات المختطَفين في صنع حملات من أجل تحرير المختطفين والمختطفات في غزة، أجرى مقابلات مع أفراد عائلات مختطفين، صنع مقاطع فيديو، جنّد كل قدراته لمحاولة التأثير في الواقع، لكنه سريعًا جدًا بدأ يشعر بعدم الارتياح هناك.

«كان هناك مكتب إعلانات يدير كل هذا، وكل المشروع كان التوجه إلى العالم، Bring them home، لكن خلال أسبوع أو أسبوعين فهمت أن هذا ليس العنوان أصلًا، لأن العالم يعرف، المسألة هنا، لا أعرف كيف أقول هذا بلطف، لكن مقر المختطفين تحول تدريجيًا إلى مكان مع كل النوايا الحسنة خدم بطريقة ما النظام، لأنه لم تكن هناك احتجاجات، كانت هناك مناشدة، كان هناك حداد كبير، لكن لم تكن هناك غضب وكسر للأدوات»، يوضح لِوي، «يضحكني أن اليمين هاجم المقر ورونن صور بينما هم جمعوا كل الاحتجاج إلى مكان منظم جدًا ملفوف بحِداد شرعي وبأغاني ذكرى، وبكل أنواع ممثلين من الصف الرديء من العالم يأتون إلى هنا ويقولون bring them back، ولا يوجهون النداء إلى الداخل، هذا جنّني ببساطة».

تظاهرة من أجل إعادة المختطفين على جسر بيغن، آب. «كنت أصل وأسأل، أين الجميع؟»

«كان لديَّ نفور معين من العالم التل أبيبي، كنت لا أزال مرتبطًا قليلًا بالصهيونية الدينية، لكن، مباشرة بعد 7 أكتوبر، كتب الدينيون القوميون على الشبكات: "اضحّوا بهم"، وهذا وصم سيبقى إلى أبد الآبدين، وهذا أيضًا أنهى علاقتي معهم».

عندما حاول أن يسأل لماذا لا يغيرون الاتجاه، أجابوه بأن العائلات هي التي لا تريد مهاجمة الحكومة، فردّ بترك الدور المركزي الذي أدّاه في إنتاج المقاطع وانتقل إلى هامش المقر. شارك في أحد المواكب الكبيرة، شارك بانتظام في تظاهرات «بوابة بيغن»، لكنه عاد بسرعة وخاب أمله. «كل هذا الأمر الخاص بالتظاهرات من أجل المختطفين، من كان هناك يعرف أنه باستثناء لحظات قليلة كان فيها بضع مئات الآلاف من الناس، حتى التظاهرات في الشهرين الماضيين لم تقترب أصلًا من تظاهرات الانقلاب القضائي»، يقول: «كنت تأتي إلى بيغن وتقول، "أين الجميع؟"».

الانكسار الأكبر بالنسبة إليه كان الصهيونية الدينية، كمن نشأ في كيبوتس ديني، في عائلة دينية، يشهد أنه رأى نفسه نوعًا من المدافع عن هذه الشريحة وأيضًا عن الحريديم، في المجتمع العلماني الذي يعيش ويعمل في كنفه منذ أكثر من أربعة عقود.

«كان لديَّ نفور معين من العالم التل أبيبي، كنت ما زلت قليلًا مرتبطًا بها، لكن عندها، مباشرة بعد 7 أكتوبر، كانت تقريبًا كل الصهيونية الدينية ضد الصفقة، وهذا بينما كان هناك أطفال وأمهات، كتب الدينيون القوميون بوضوح على الشبكات: "اضحّوا بهم"، وهذا وصم سيبقى على هذا الجمهور إلى الأبد، وهذا أيضًا أنهى علاقتي معهم، ومن جهة ثانية كان الحريديم الذين لم يحرّكوا ساكنًا.

واضح لي تمامًا أنه لو كان المختطفون حريديم لكانوا عادوا بسرعة، ولست أقول هذا للذمّ بهم هم دائمًا عرفوا كيف يهتمون بمجتمعهم. لنقل، لو اختُطف 100 طالب يشيفا، لكانوا في دقيقة في البيت، كانوا سيرفعون الدولة، ينسحبون من الائتلاف، يقولون "فداء أسرى"، وهنا لم يقولوا في أي مرحلة لأن هؤلاء لم يكونوا ناسهم».

بعد صفقة المختطفين الأولى أُرسل باسم مقر العائلات لمقابلة العائدين، وسمع منهم أن رعبهم الأكبر كان من قصف الجيش الإسرائيلي، أو من محاولات إنقاذ قد تؤدي إلى موتهم، ثم تحقق هذا الرعب، بعد أسابيع قليلة أطلق جيش إسرائيلي النار عن طريق الخطأ على ألون شمريز وسامر الطلالقة ويوتام حاييم.

«في هذه الأشهر وصلت إلى غضب مجنون قاد إلى كراهية. إسرائيل هي دولة مشبعة بالكراهية، الجميع يستيقظ صباحًا ويكره أحدًا ما، عربًا، يساريين، لكن أيضًا الحريديم وبيبي، وفي مرحلة ما لم أعد أحتمل هذا الشيء الذي تستيقظ فيه صباحًا مليئًا بالكراهية والإحباط»، يوضح لِوي، «خلافًا لما كان في الانقلاب القضائي، هنا فجأة فهمت أن لا شيء مما سأفعله سيؤثر على أي أحد».

ثم، تقريبًا دفعة واحدة، قرر أن يقطع مع الواقع، «تقريبًا دفعة واحدة انفصلت عن كل شيء، وهكذا هو الحال حتى اليوم. لم يعد لديَّ شبكات، منذ سنة ونصف لا أقرأ أي موقع أخبار، كل ما أعرفه هو مما يحكيه أصدقاء أو أشياء أسمعها في الشارع»، يقول: «شعرت أنه لا سبب لاستهلاك كل هذه الأخبار إذا لم تكن لديَّ طريقة للتأثير. هذا فقط يملأني غضبًا وكراهية، وأصير إنسانًا لا أريد أن أكونه، واصلت القدوم كل سبت إلى بيغن فقط لأكون مع العائلات، لكنني كنت أقف على الجانب، أنتظر أن يعدّوني ثم أغادر».

«بدأتُ أدخل إلى مونولوغات إِتي ضد الكراهية، كم تُسمِّم، وها أنا أسير في أمستردام قرب القنوات، وأشعر كيف تختفي، لكن كان واضحًا لي أن أي تماس لي مع الواقع هنا سيعيد ذلك، لذا لست على تماس».

بعد بضعة أشهر، في صيف 2024، عندما سافر إلى أمستردام ليصوّر سلسلته الجديدة «إِتي»، المبنية على يوميات إِتي هيلِسوم، يهودية لامعة ومليئة بالحياة عاشت في أمستردام حتى سيقَت إلى موتها في أوشفيتس عن 29 عامًا، وجد نفسه فجأة يتماهى مع بطلة عمله بطريقة فاجأته هو نفسه، في اليوميات التي تركتها، خرجت هيلِسوم مرارًا ضد تأثير الكراهية الخطير للغير، «أعرف أن الذين يكرهون لديهم أسباب مبنية لكراهيتهم، لكن لماذا علينا دائمًا أن نختار الطريق الأسهل والأرخص؟».

كتبت: «كل جسيم كراهية يُضاف إلى هذا العالم سيجعله قفرًا أكثر مما هو أصلًا. وأنا أؤمن، ربما بسذاجة، لكن بإصرار، أن هذه الأرض ستكون مكانًا أكثر صلاحية للعيش فيه، ولو قليلًا، بفضل الحب».

كان لِوي قد اكتشف هيلِسوم قبل 14 عامًا، قرأ يومياتها وابتلع كميات هائلة من المواد المكتوبة عنها، لكن في فترة تصوير السلسلة ومونتاجها، بعد عملية الانفصال التي مرّ بها بنفسه، نظر إليها فجأة بشكل مختلف قليلًا، «بدأتُ أدخل أكثر فأكثر إلى مونولوغاتها ضد الكراهية، عن كم هي مُسمِّمة»، يروي، «عندما قرأتُ اليوميات قبل سنوات لم يمسكني هذا كثيرًا، تعلقتُ بأشياء أخرى، لكن فجأة قلت: نعم، هي محقّة، هذا يُسمّم. وها أنا أسير هناك في أمستردام قرب القنوات، وأشعر كيف أن الكراهية تختفي رويدًا رويدًا، لكن كان واضحًا لي أن أي تماس لي مع الواقع هنا سيعيد ذلك في ثانية، لذا أنا ببساطة لست على تماس معه، تبنيتُ لنفسي نوعًا من طريقة حياة كهذه ما تزال مستمرة حتى الآن، ولا أعرف كثيرًا كيف أعود من هناك».

«لا أؤمن أنه يمكن إصلاح شيء في العالم قبل أن نصلح أنفسنا أولًا، وهذا يبدو لي الدرس الوحيد الذي يمكن تعلمه من هذه الحرب: أن علينا أن نبحث عن الشر في داخلنا لا في أي مكان آخر»، (من يوميات إِتي هيلِسوم).

وُلدت إِتي هيلِسوم في هولندا عام 1914 لأبوين يهوديين، أب من أصل هولندي وأم من أصل روسي، في الثامنة عشرة انتقلت إلى أمستردام ودرست هناك الحقوق وعلم النفس واللغات السلافية، وفي 1942، عندما تكاثرت اعتقالات اليهود في المدينة، تلقت وظيفة في «المجلس اليهودي» الذي مثّل المجتمع أمام السلطة النازية، ورغم أن وظيفتها هذه منحتها حصانة ظاهريًا من الإرسال إلى المعسكرات، تطوعت للذهاب إلى معسكر الانتقال فوستيربروك والعمل هناك في قسم الرفاه لدعم السجناء الذين سيُرسَلون إلى معسكرات الاعتقال في بولندا وألمانيا.

رفضت هيلِسوم عروض أصدقائها غير اليهود بإخفائها، وفي يوليو 1943 أُلغي وضعها كإحدى طاقم المعسكر، وصارت أسيرة، وبعد شهرين رُحِّلت مع والديها وأخيها إلى أوشفيتس، قُتلت هناك في 30 نوفمبر 1943.

تضمنت يوميات هيلِسوم عدة دفاتر وثقت فيها حياتها ومشاعرها ونظرتها للعالم، كُتبت اليوميات بين 1941–1943، وصدرت لأول مرة بالهولندية عام 1982، وبالعبرية صدرت في كتاب «السماء التي بداخلي» (دار كِتر. ترجمة: إيرِيت باومان، شلوميت بَمبَرغر. نُشرت طبعة مبكرة بعنوان «حياة مقطوعة»).

تبرز هيلِسوم منها ككاتبة موهوبة، لامعة وحادة الملاحظة، لكنها أيضًا شابة طاقة وحيوية ومفعمة بشهوة جنسية اضطرّت أن تشق طريقها في ظل حرب رهيبة، وصفت فيها، ضمن أمور أخرى، علاقة عاصفة أقامتها مع عالم النفس الألماني المهاجر إلى هولندا يوليوس شْپير، تلميذ يونغ، الذي كان معالجها وفي مرحلة معينة أيضًا عشيقها.

يروي لِوي أنه منذ أن وضع يده على يوميات هيلِسوم، لم يستطع الإفلات، في لقاء جرى قبل نحو أسبوعين في بيته في تل أبيب، يروي أنه على مر السنين بقي «السماء التي بداخلي» موضوعًا إلى جانب سريره، وكان يعود ويقرأ فيه. النفس الهادرة لهيلِسوم أسَرته، تفكيرها الأصلي أثاره، وتأملاتها سلبت لبه، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى دفعت الهوس الذي طوّره نحو الخطوة البديهية: قرر أن يضع الشابة الهولندية ويومياتها في مركز سلسلة جديدة.

«هذا كتاب يُغيّر حياة، الملايين قرأوه، والمذهل أن كل واحد ينجذب إلى شيء آخر. بعضهم يُمسكهم تعاطفها الراديكالي، آخرون نظرتها إلى الخير، وما أمسك بي كان الفكرة أنه فيك نواة داخلية ما لا ترتبط بالظروف الخارجية».

وفق مكانته كصانع تلفزيون مُقَدَّر وناجح يعمل في الساحة الدولية، أقيم العرض الأول لـ«إِتي» في مهرجان فينيسيا هذا العام، أحد مهرجاني السينما الأعرق في العالم، ومكان لا تُمنح فيه المنصة إلا لقلة من الأعمال التلفزيونية، قبل أربع سنوات دُعي لِوي لعرض «مشاهد من حياة زواج» الذي صنعه لـHBO هناك، وهذا العام شُرّف بعرض «إِتي»، أول سلسلة أوروبية له، حدث ذلك بعد أيام قليلة من إعلان آلاف العاملين في السينما، بينهم غير قليل من كبار هوليوود، مقاطعة لمؤسسات السينما الإسرائيلية بسبب الحرب في غزة.

كنتَ الإسرائيلي الوحيد الذي نجح في التسلل إلى المهرجان هذا العام، هل يمكن أن يكون السبب أن السلسلة تتناول (ظاهريًا) المحرقة؟

«لا، ليس بسبب الموضوع (وإن كان، فبالعكس، هذا قليل الإشكالية الآن أن تُعرض اليهود كضحايا نهائيين)، بل لأنني كنتُ مع مشروعي السابق في فينيسيا بنجاح، ولأن مدير المهرجان أحب «إِتي» كثيرًا، ولأن هذه السلسلة بلا مال إسرائيلي، وهي إنتاج فرنسي–هولندي–ألماني، ليس لدى المهرجانات والأوروبيين عمومًا مشكلة شخصية مع الإسرائيليين بل مع المال الإسرائيلي، خصوصًا الحكومي».

غدًا (الخميس) ستُعرض «إِتي» في افتتاح «مهرجان سينما الجنوب»، ومن يوم الجمعة القادم (14.11) ستُعرض السلسلة كاملة في جزأين يضم كل منهما ثلاثة حلقات، في دور سينما «ليف»، وستُرافق بحوارات مع المبدع، «إِتي» تتعقب هيلِسوم (يوليا وينديشبَوَر) حين تُحتل هولندا من قبل النازيين، وتُركل من الدراسة في الجامعة بسبب يهوديتها، تفكر في الانتحار لكنها في اللحظة الأخيرة تتراجع، وعندما تتعرف إلى شْپير (سِبستيان كوخ)، الأكبر منها بسنين كثيرة، تنجذب إليه فورًا، إنها انجذاب جنسي وعقلي، لكنها أيضًا شوق إلى شخص يُنقذها من نفسها، يساعدها على تجاوز المخاوف والعُقد ويتيح لها أن تحقق إمكاناتها، شْپير من جانبه يعيش أزمة إيمان بما يتعلق بالتحليل النفسي، وبدلًا من علاج يعرض على هيلِسوم تدريبًا جسديًا، سلسلة تمارين بدنية، مع وعد أنه إذا واظبت عليها فإنها ستحسن حالتها النفسية.

«في البداية تكتشفين امرأة تبدو لنا مشابهة جدًا، أي نرجسية جدًا، عصابية، قلقة، تريد أن تكتب، لا تنجح وتجلد ذاتها بسبب ذلك، ثم من هذا تصل إلى مكان ذاتي، وفي النهاية أيضًا إلى نوع من البطولة».

حجاي لِوي

غير أن الحبكة في «إِتي» تتحول سريعًا إلى أمر ثانوي، وتتقدم إلى الواجهة الأفكار التي طرحتها هيلِسوم على الورق، أقوالها الفكرية وتأملاتها في وضعها النفسي والوجودي، تنجح السلسلة في مهمة صعبة هي ترجمة يوميات مكتوبة مشحونة بالفكر إلى عمل سينمائي، تنتقل بطبيعية بين الشهوة المتقدة لشابة شهوانية وبين تأملات عميقة وتبصرات براقة، لمَن تبحث عن طريق لانتشال الأفضل من ظروف حياة لا تكف عن التدهور، تبحث عن معنى في الفوضى وتحاول فهم كيفية الحفاظ على الإنسانية والحب، حتى حين ينهار كل شيء حولها.

ليست هيلِسوم مشهورة كآنّا فرانك، التي كتبت يومياتها في الفترة والمدينة نفسيهما، لكنها تقدم نظرة أكثر نضجًا وروحانية على الوضع الرهيب الذي وقعت فيه، مثل ملايين اليهود في أوروبا، هذا أكسبها عبر السنوات جمهورًا كبيرًا من المعجبين والمعجبات، و«إِتي» ليست أول عمل يُنجز عن شخصيتها، «هذا كتاب يُغيّر حياة»، يقول لِوي عن يوميات هيلِسوم، «الملايين قرأوه، والمذهل أن كل واحد ينجذب لشيء آخر.

هناك من تُمسكهم رحمتها الراديكالية، وآخرون رؤيتها للخير، وما أمسك بي كان التبصُّر بأنه لديك نواة داخلية لا تعتمد على أي شيء خارجي، حتى إذا سُلب منك كل شيء، يبقى هذا الشيء لك، كنتُ حينها بعد نجاح «بيتِعْبول»، ووقفتُ عند مفترق عليَّ أن أقرر ماذا أفعل، وقلتُ لنفسي إن هذه الأشياء النجاح، المكانة ستزول يومًا، قولها إن لديك ماهية داخلية لا تتعلق بأي شيء آخر منحني شعورًا بالاستقلال».

كُتب كثير من الكتب عبر السنين عن نظرة هيلِسوم للعالم، لكنها كتبت يومياتها «بطريقة شخصية جدًا وحدسية جدًا»، يوضح لِوي. «كانت مثقفة للغاية وأيضًا حديثة جدًا، هذا معاصر جدًا، تقرئينه وحتى مرحلة معينة لا تفهمين أنك في المحرقة، ومن هذا تأتي هوية قوية، تقرئين اليوميات وفي البداية تكتشفين امرأة تبدو لنا مشابهة، أي نرجسية جدًا، عصابية، قلقة، اكتئابية، تريد أن تكتب، لا تنجح وتجلد نفسها، ثم من هذا تصل إلى مكان ذاتي، وفي النهاية إلى نوع من البطولة. تفهمين أن الأمر ليس قديسة بل إنسان مثلنا أجرى مسارًا، وربما أنت أيضًا تستطيعين مثلها الوصول إلى مكان سيكون أفضل لنفسك وللعالم».

«وفي مرحلة ما ينبت في داخلك شيء وتعرف أنك لن تفقده بعد ذلك أبدًا» (المصدر نفسه).

لِوي، ابن 62 عامًا، نشأ أكبر ستة إخوة وأخوات في كيبوتس ديني «شَعَلبِيم»، كمراهق واجه مخاوف وتزعزع الإيمان، وفي سن العشرين ترك البيت، هجر الدين وبدأ علاجًا نفسيًا، درس علم النفس والفلسفة في برنامج الخدمة الدائمة، وخدم في وحدة حواسيب في الجيش، وفقط في مرحلة متأخرة انصرف إلى دراسة السينما في جامعة تل أبيب، وكتب عدة سنوات نقدًا سينمائيًا في «حدَشوت» وفي صحف أخرى، وفي 1993 صنع فيلمه الأول «ثلج في آب».

على مر السنين صنع وأنتج، مع شارون شمير وداني لانداو، سلسلة الدراما التلفزيونية «قصص قصيرة عن الحب» والدراما «عرض أول»، التي تروي عن والدين ثُكلى فقدا ابنهما في حادث دبابة، واستندت إلى قصة سقوط أخيه في حادث دبابة أثناء قتال في لبنان عام 1990، في 2005 صنع مع أوري سِڤان ونير برغمان السلسلة التي غيّرت حياته وأقلعت بمسيرته: «بيتِعْبول»، التي في مركزها طبيب نفسي (آسي دايان) يعالج سلسلة من مراجعين ثابتين، حصد «بيتِعْبول» جوائز كثيرة وكان أول مسلسل إسرائيلي يحظى بنسخة أمريكية على شبكة كبيرة مثل HBO، وكان لِوي الذي أنتج وأخرج جزءًا من حلقات النسخة الأمريكية، مشاركًا أيضًا في خلق كثير من الـ18 اقتباسًا إضافيًا للسلسلة.

«قبل سنة صار ما حدث في غزة حاضرًا جدًا بالنسبة إليّ، شعرت أنني أمر بمراحل الحزن الخمس لكوبلر–روس: غضب، إنكار، قبول، كل ذلك، شعرت أنني منفصل عاطفيًا عن هذا المكان، لستُ فخورًا بهذا، هذا فقط أتاح لي البقاء».

في 2014 صنع «الملعونون»، سلسلة موكومنتاري عن بعض الشخصيات البارزة في الثقافة هنا، وكانت هذه عمليًا آخر سلسلة إسرائيلية له، منذئذ كل السلاسل التي عمل عليها كانت أجنبية: صنع الموسم الأول من «ذا أفِير» (2014) لشبكة Showtime مع سارة تريم (فازت السلسلة بجائزة الغولدن غلوب) و«الأولاد» (2019)، المستندة إلى قضية خطف وقتل الفتى محمد أبو خضير، صنعها مع يوسف سيدَر وتوفيق أبو وائل بدعوة HBO (صُورت وصُنعت في إسرائيل لكن المال كان أمريكيًا)؛ وفي 2021 عُرضت على HBO «مشاهد من حياة زواج»، وكانت اقتباسًا جديدًا لسلسلة إنغمار برغمان، بطولة أوسكار آيزاك وجيسيكا شاستين.

كذلك صُنعت «إِتي» بلا استثمار إسرائيلي، إنها إنتاج مشترك فرنسي–ألماني–هولندي أنتجته الفرنسية ياعيل فوغِل لصالح ARTE، في البداية ظن لِوي أنها ستكون فيلمًا سينمائيًا، لكن الأمر كبر وتضخم حتى تبلور في النهاية إلى سلسلة من ست حلقات.

يرى لِوي أن العرض في فينيسيا أثبت له أنها «فيلم مقسّم» أكثر من كونها سلسلة، أي عمل مكانه دار السينما أكثر من شاشة التلفزيون، ويوضح أن العمل في أوروبا مقارنة بأمريكا، في مشروع يستند إلى مال عام بدلًا من خاص، كان متعة. «تجربة مختلفة بالكامل، متعة كبيرة، هذا يعني أن التفويض هو صنع فن. أحيانًا يقولون لك، "اذهب أبعد، لا تكن سائدًا"، هذا متطرف حقًا».

لقد أتاحوا له مثلًا أن يُسند الدور الرئيسي إلى ممثلة غير معروفة، وهو ما لن يخطر ببال أحد في أمريكا، وحين واجه التحدّي المتمثل في تحويل يوميات مكتوبة كلها تجربة نفسية إلى عمل سينمائي، وطرح فكرة خلق محادثة بين هيلِسوم وصديقها كلاس سِمِليك في برنامج راديو يسجله، تسجيل يُوفِّر المصدر للتعليق الصوتي الذي يرافق السلسلة، وتخصيص حلقة كاملة لهذه المحادثة، بدلًا من الارتعاب، تحمس المنتجون فعلًا. «هذا كارثة تلفزيونية هذا الأمر.، أعني، ما الكارثة، إنه «بيتِعْبول»، شخصان يجلسان ويتكلمان. كنت أبحث طوال الوقت عن العنصر الأكثر درامية، لكنهم أحبوا جدًا فكرة أن تكون هناك حلقة كهذه». في النهاية تقلّصت هذه الفكرة قليلًا ولم تأخذ حلقة كاملة، لكنها بالتأكيد أحد المقاطع الأقوى في السلسلة.

«حتى الآن أشعر أنني كنت سأرغب في أن أتكور في ذراعيه وألا أكون سوى امرأة، أو ربما أقل من امرأة، ربما فقط قطعة لحم محبوبة» (المصدر نفسه).

مشاهدة «إِتي» في هذه الأيام، بعد 7 أكتوبر وسنتين من الحرب، تجعل بعض المقاطع في السلسلة تبرز خصوصًا، يحدث هذا مثلًا حين تعرض هيلِسوم، بدل أن تُفيض كراهية على الألمان، على أحدهم أن يشفق على مئات آلاف أمهات الجنود الألمان اللواتي ينعين أبناءهن، ويحدث عندما تخبر صديقتها المقربة وهي تبكي أنها وشريكها قررا أخذ الأطفال والهجرة من هولندا.

في هذه اللحظات تختلط حقيقة السنتين الأخيرتين في إسرائيل بحقيقة تلك الحقبة في أوروبا في الأربعينيات، «هذه حوارات جرت في السنوات الأخيرة في بيوت كثيرة هنا، إذًا هناك إحساس بأن هذا لا ينتمي فقط إلى الماضي، بل أيضًا إلى الحاضر، فالمحرقة، إذا حدثت ثانية، لن تكون الشيء نفسه، ستحدث بطريقة أخرى، وهذا يحدث بالفعل بأشكال أخرى، التوقع "أبدًا لن يتكرر" واضح أنه لن يتكرر، لأنه لن يحدث الشيء نفسه».

شاهدتُ السلسلة بعد أيام قليلة من عودة 20 مختطفًا أحياء، والحوار الداخلي لإِتي مع إلهها، الذي يمنحها قوة، ذكّر ما قاله بعضهم عن الإله الذي كان هناك إلى جانبهم، في الأنفاق.

«أنتِ محقة، وعامة بعد 7 أكتوبر وجد كثيرون طريقهم إلى إِتي ويومياتها، لأن في حالات أزمة قصوى يبحث الناس عن شيء كهذا، وفي حالتها وجدت تصورًا لإله داخلي جدًا، غير خارجي، وعندئذ لديك إمكانية تقريبًا لخلق هذا بداخلك، حتى لو كنتِ علمانية، أو مثلي شخصًا كان دينيًا ولم يعد، يمكنك أن تجدي تدينًا غير خارجي: إله بداخلي، السماء بداخلي. أي أنك تبني كيانًا داخلك هو إله، ورويدًا رويدًا يصبح كذلك حقًا، وهو يوقظ فيك الإحساس الذي تقول معه: نعم، أنا في الظلام، أنا في الأسر، لكن لديَّ هذا الشيء الذي أستطيع أن أحدده وأحمله. وهذا الشيء، يمكنك ببساطة أن تسميه الله، مثلها».

«لماذا تُصنع كل هذه المسلسلات عن المتدينين؟ لأن هذا ما يزال عالمًا فيه قوانين صارمة، فتُخلق الدراما، كذلك عالم العلاج، السؤال هل تحدث الأشياء فقط في الفضاء العلاجي، أم أنها تتخطاه هو سؤال درامي ممتاز».

حجاي لِيفي

كيف أثّر عليك ذلك، كمن كان دينيًا سابقًا؟

«بالنسبة إليَّ كانت هذه المرة الأولى في حياتي التي نجحت فيها في العودة إلى إحساس ديني أو روحي ما بعد أن تركتُ هذا العالم في سن مبكرة ولم أستطع أي تماس معه، لأن ما عرفته كان العكس تمامًا، في الدين اليهودي الإله خارجي، شخص ما يجلس في السماء، منه تطلب أشياء أو تصلي أو تطلب الغفران، وهو يسيطر على مصيرك من الخارج، إِتي، بالمقابل، أحيانًا تخاطب الله كطفل صغير، تقول له: سأحافظ عليك، سأساعدك أن تبقى، ومن الواضح أنها تتحدث عن شيء موجود بداخلها، وهذه نسخة من الله يمكن أن تكون متاحة للعلمانيين.

«بالنسبة إليَّ كانت المرة الأولى التي لا تثير فيها كلمة الله لديَّ ذعرًا أو تجنبًا، لأن السنوات الأولى بعد أن كفرتُ، لو قلتُ هذه الكلمة كنتُ أدخل فورًا في نوبة هلع، لو سألوني هل تؤمن بالله، كنت أقول لا أؤمن به، أنا أخاف منه. لأنك تكبر على الله مصحوبًا بإحساس خوف، هلع، شيء يمكن أن يقتلك، ثم عندما تترك تقول، لا أستطيع أكثر أن أؤمن بهذا الشيء، لكن مخاوفي ما تزال، فتكون هناك سنوات من الفوضى، القلق وفقد السيطرة، وعليك أن تتعلم العالم من جديد، لذا سنوات طويلة لم أقم أي تماس مع هذا، لم أسأل أسئلة، لم أرد أن أتحدث عنه، لأن أي نقاش عنه كان يثير أيضًا ذنبًا وذعرًا، جسديًا حقًا. وهنا فجأة كان كتاب يتصدر فيه الله وقلت: حسنًا، هذا أفهمه، مع هذا أستطيع أن أقيم صلة ما، لهذا أيضًا قيمة كبيرة».

«القول إن الإنسان سيد مصيره مقولة متسرعة جدًا، لكن صحيح القول إن الإنسان هو الذي يقرر بنفسه علاقته بمصيره» (المصدر نفسه).

إذا استعرضنا مجمل إبداع لِوي لا يمكن تجاهل أن شخصية المعالج تطل مرارًا، كانت طبعًا في مركز «بيتِعْبول»، ظهرت كذلك في الموسم الأول من «ذا أفِير»، جسدت نوعا كولِر في «الأولاد» شخصية خيالية لطبيبة نفسية، وحتى في «مشاهد من حياة زواج» يرفرف العلاج طوال الوقت فوق الأحداث، لذا ليس مستغربًا كثيرًا أن يواصل شْپير هذا المنحى في «إِتي»، يوضح لِوي أن شْپير كان الشخصية المركزية في يوميات هيلِسوم إلى جانب الكاتبة، لذا كان طبيعيًا وضعه كشخصية مركزية في السلسلة.

«انظري، نحن في عالم كل شيء فيه مباح»، يقول: «لماذا تُصنع كل هذه المسلسلات عن المتدينين؟ لأن هذا ما يزال عالمًا فيه قوانين صارمة وواضحة جدًا فتُخلق الدراما، وكذلك عالم العلاج ما يزال كذلك، إنه عالم قوانين وهرمية أو فصل منضبط جدًا، فينتج دراما، والسؤال هل تحدث الأشياء فقط في الفضاء العلاجي أم أنها تتخطاه هو سؤال درامي ممتاز»، يقول ليفي.

«عندما أفكر في شخصيات أحاول تفكيكها نفسيًا لأفهمها، لكن لو قلتِ، مثلًا، إن هناك ثيمة مركزية هي الخيانة في أعمالي، لَكُنتِ محقّة أيضًا».

إلى جانب ذلك، عالم العلاج جزء لا يتجزأ من حياته، «إنه أمر جوهري جدًا في عالمي، منذ سن 17، عندما بدأتُ أطور نوبات هلع حول ترك البيت، كان هذا الأمر، ثم ذهبت لدراسة علم النفس، كان مركز عالمي، بعد الدراسة كان لديَّ فجأة رغبة في الهرب من هذا، لكن عندها قُتل أخي وعدتُ إليه بكامل القوة، ومنذئذ حتى اليوم أنا في علاج، لذا هذه ساحة مركزية في حياتي، والطريقة التي أفكر بها هي كذلك، أي عندما أفكر في شخصيات أحاول تفكيكها نفسيًا لأفهمها، لكن لو قلتِ، مثلًا، إن هناك ثيمة مركزية هي الخيانة في أعمالي، لَكُنتِ محقّة أيضًا».

لكن في معظم الحالات تنظر أيضًا إلى العلاج نظرة نقدية.

«مثير أنك تقولين هذا لأن «بيتِعْبول» لم يُنظر إليه كأنه نقد لعلم النفس، رغم أنني شعرت بذلك جدًا. كانت كل الدافعية نوعًا من تفكيك أسطورة "المعالج العارف بكل شيء"، في «إِتي» أعتقد أنه إذا كان هناك نقد لعالم النفس، فهو على صلابته. عندما ترين مثلًا إِتي وشْپير يتصارعان (هناك مشهد في السلسلة يتصارعان فيه، م.)، من الواضح أن هذا الشيء خارج الحدود وهو سخيف ومرفوض، أنا مستهلك مُدمن لهذا القالب، لكن فيه أيضًا صرامة، وأيضًا نوع من الازدراء لكل ما ليس كذلك، وبحق، لأن هناك الكثير من إمكانات الاستغلال في هذا العالم يجب أن تكون حدود.

«لكنني عملتُ جاهدًا كي لا يكون هذا قصة عن استغلال جنسي أو عن دجال، لدى شْپير سحر، كاريزما، نعم، أيضًا حدود مطموسة، هناك أناس رأوه مفترسًا جنسيًا، لكن عندما يُقبض عليه كذلك، برأيي هذا انتقاص من قدر إِتي، لأن ما نعرفه عنه نعرفه منها، وهي فتاة رفيعة المستوى اختارته، وهي بطلة عملي. فإذا كنتُ أقدّرها، لا يمكن أن يكون دجالًا، تقرير أنه كذلك يعني أنني أعرف أفضل منها لأنني أطبق تصنيفات اليوم على ما كان آنذاك، وهذا برأيي لم يكن صحيحًا، لذا ما فعلته كان تليين ما كان في الكتاب».

«إِتي» ليست سلسلة محرقة بالمعنى المتعارف. لا ترافق هيلِسوم إلى المعسكرات، لا تتوقف عند جنود نازيين، لا تحاول إعادة إنتاج صور مألوفة من تلك الحقبة، يوضح لِوي أنه حين بدأ العمل على السلسلة، كان واضحًا له أنه عليه أن يعطي رأيه في سؤال تمثيل المحرقة، وأن يقرر كيف يتعامل مع هذه المسألة الحساسة، «كان لديَّ بالأساس وعي واضح بأن سؤال تمثيل المحرقة درامي، ولا يمكن ببساطة صنع أفلام محرقة كما في الماضي: فيلم أزياء قديم بفلاتر سِبيا، ومع نازيين. «منطقة الاهتمام» أثبت أنّه يمكن إيجاد لغة أخرى»، يشير.

كان حله أن يصوغ «إِتي» كقصة تجري في محيط أكثر معاصرة، في أمستردام الثمانينيات أو التسعينيات، حيث الناس يرتدون الجينز، «تقوّى لدي هذا الفكرة الخاصة بالحداثة جدًا بعد 7 أكتوبر، لأن صور المحرقة التي نشأنا عليها صارت فجأة حقيقية: أطفال يختبئون في خزانة، عائلة كاملة تُقتل، مجزرة جماعية، وبعد ذلك بوقت غير طويل وصلت صور من غزة كانت أيضًا فجأة صور محرقة، لم أستطع تجاهل ذلك. قلت لنفسي، هذا شيء يحدث، ليس شيئًا ينتمي إلى الماضي، لذلك يجب صنع شيء يقول إنه معاصر».

«وفي مرحلة ما ينبت في داخلك شيء وتعرف أنك لن تفقده بعد ذلك أبدًا» (المصدر نفسه).

أقام لِوي في أوروبا خمسة أشهر للعمل على السلسلة وشعر بالبعد كما لم يشعر من قبل، في مرحلة معينة كان سعيدًا حتى لعدم وجود مال إسرائيلي في «إِتي»، وأنه لا يحتاج لأن يُعرَّف مع هذا المكان. «قبل سنة»، يقول، «صار ما حدث في غزة حاضرًا جدًا بالنسبة إليَّ، أرسلوا إليّ صورًا لما يحدث هناك، وشعرت أنني أمر بمراحل الحزن الخمس لكوبلر–روس: غضب، إنكار، قبول، كل ذلك، شعرت أنني في نوع من الوداع، الانفصال، وأن غضبي يتحول إلى حداد وقبول، وأنني منفصل عاطفيًا عن هذا المكان، لست فخورًا بهذا، هذا فقط أتاح لي البقاء. فكيف يمكن احتمال كل هذه المعلومات المُحبِطة والمثيرة للغضب؟ كيف يمكنك أصلًا أن تواصل حياتك؟

«في مرحلة ما أصبح الإحساس بأنه ليس شرفًا كبيرًا أن تكون إسرائيليًا الآن أيضًا إحساسًا عاطفيًا. كأنني قلت، أنا لم أعد جزءًا من هذا. فتكوّن فجوة، تكوّن بُعد، وأنا الآن أبحث عن طريقي للعودة، لأنه إذا كنتُ هنا وأنا هنا في الوقت الراهن لأن أطفالي هنا، فسأحتاج أن أجد طريقة لأكون جزءًا من هذا. 

لأن ما حدث عندما عاد المختطفون هو أنني لم أستطع الاتصال بالفرح، رغم أن هؤلاء ناس ناضلتُ إلى جانبه، وطبعًا تبدأ تسأل نفسك أسئلة عن الألمان الذين لم يعلموا، هل هم أيضًا أحاطوا أنفسهم بجدار ما؟ أنا لا أقارن حقًا، فقط أقول إننا نشأنا على هذه الأسطورة وكان هذا يبدو غير حقيقي دائمًا، لكن اليوم أرى أن هذا ممكن، أنه مجرد آلية إنسانية».

ألا يُنتج الانفصال بلادةً عاطفية، لامبالاة؟

«ليس بالضرورة، لأنني أتعاطى مع الإبداع، وأتعاطى مع إِتي هيلِسوم، وهذا ذو صلة بما يحدث هنا، ليس أنني أصنع سلسلة سخيفة في أمريكا، إنه ذو صلة بحياتي وكل شغفي هناك، لكنه يعني أن كل شيء داخلي، أنك تخلق لنفسك استقلالية، قليلًا كما إِتي، فقط إنها حقًا وبصدق لم تكره، أما أنا فربما لست على تماس مع كراهيتي، لكنني لم أتوقف، إنها قشرة رقيقة، بمجرد أن أسمع فجأة شيئًا أنفجر، كل شيء مُحفِّز».

على هجوم ميكي زوهر على جوائز الأوفير وإعلانه عن حفل بديل سمعتَ؟

«نعم، لديَّ فكرة ما بإقامة جائزة لأفلام المقاومة».

فكرة بدأتَ تدويرها بالفعل؟

«نعم، تحدثتُ عنها مؤخرًا في أمريكا. أستطيع أن أفعل شيئًا كهذا. إذا لم يكن لهذا أجني المال وأعمل في أمريكا، فلأي شيء إذًا؟».

وهل نجحتَ في جمع المال، هل هناك تجاوب؟

«كنت هناك الآن، هناك الناس، لكنني لم أبدأ بعد الانشغال بهذا، لكن من الواضح أنه ستكون حاجة إلى إيجاد طريقة للمساعدة في صنع أفلام مناهِضة للنظام هنا، لأنه رويدًا رويدًا حتى ما هو موجود الآن سيختفي، وسيكون من الضروري جلب مال إلى هنا يكون حرًا من التسييس، ولن أستطيع أن أواصل أن أكون هنا من دون أن أكون جزءًا من شيء».

من ناحية الإبداع، يريد أن يواصل صنع أشياء مثل «إِتي»، تتحدث مع الواقع بطريقة غير مباشرة. هذه الأيام يطوّر سلسلة جديدة لـHBO مبنية على رواية إثارة لباتريشيا هايسمِث، Those Who Walk Away، «إنها سلسلة عن الثكل، الذنب والغضب، عن أب انتحرت ابنته وهو يحمّل زوجها المسؤولية، وهو غاضب إلى درجات يريد معها قتله، الزوج نفسه مضروب بالذنب، وكل ما يريده هو أن يقول للأب: "أنا لست مذنبًا"، إذًا الذنب، الثكل والغضب أعرفها، هذا أعرفه، ويمكنني أن أصنعه من دون أن أتعاطى مباشرة مع الواقع هنا».

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025