يديعوت أحرنوت
ترجمة حضارات
دانيال اديلسون
كشفت صحيفة واشنطن بوست، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، عن وثائق أمريكية تفيد بأنه، رغم الإدانات العلنية الشديدة التي وجّهتها دول عربية لإسرائيل خلال الحرب، فإن الواقع خلف الكواليس كان مختلفًا تمامًا. إذ استمر تعاون أمني وثيق بين إسرائيل وست دول عربية على الأقل، شمل تبادلًا استخباراتيًا وتدريبًا عسكريًا مشتركًا.
وتوثّق الوثائق إنشاء آلية أمنية إقليمية سرّية تُعرف باسم "الهيكل الأمني الإقليمي"، ضمّت كلًا من إسرائيل، السعودية، مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، وقطر، مع إدراج الكويت وعُمان كشريكين محتملين. وقد صُممت هذه الآلية لمواجهة التهديد الإيراني وتعزيز العلاقات العسكرية بين إسرائيل والدول العربية.
جميع الاجتماعات التي عُقدت في إطار هذه الآلية وُصفت بأنها "سرّية"، وشدّدت التعليمات الداخلية على حظر التقاط الصور أو مشاركة أي معلومات مع وسائل الإعلام. كما تضمّنت تعليمات تفصيلية بشأن قواعد الكشروت والشريعة اليهودية، بما في ذلك حظر تقديم المرطبات التي تحتوي على لحم الخنزير أو المأكولات البحرية.
أُنشئت هذه الآلية بتنسيق من القيادة المركزية للجيش الأمريكي (CENTCOM)، وشهدت خلال السنوات الثلاث الماضية سلسلة من المؤتمرات والمناورات الأمنية في مواقع متعددة، من البحرين والأردن إلى قاعدة العديد الجوية في قطر، وحتى فورت كامبل في ولاية كنتاكي. شارك في هذه الفعاليات ضباط كبار من إسرائيل ودول عربية، إلى جانب عناصر من القيادة المركزية الأمريكية.
إحدى الوثائق تحدّثت عن تدريب دولي على تقنيات تحديد وتدمير الأنفاق تحت الأرض، وهي التكنولوجيا التي تستخدمها حماس في غزة. كما أشارت وثيقة أخرى إلى تدريب عُقد في سبتمبر/أيلول الماضي في مصر، شارك فيه جنود من الولايات المتحدة، إسرائيل، السعودية، الأردن، مصر، اليونان، الهند، بريطانيا، وقطر.
ووفقًا للتقرير، فإن الهدف المعلن من "آلية الأمن الإقليمي" هو تمكين تبادل المعلومات الاستخباراتية، وربط أنظمة الرادار، وتعزيز الاتصالات السيبرانية، والتنسيق الفوري للعمليات العسكرية. ومنذ عام 2022، وُقّعت اتفاقيات لتنسيق أنظمة الدفاع الجوي ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية. وبحلول عام 2024، كانت ست من الدول السبع المشاركة قد انضمت إلى نظام أمريكي موحّد يدمج بيانات الرادارات والمستشعرات مع بيانات الجيش الأمريكي.
وتُظهر الوثائق أن دولتين - لم يُكشف عن هويتهما - قامتا بتمرير معلومات استخباراتية إلى سرب من القوات الجوية الأمريكية. كما تستخدم جميع الدول المشاركة نظام دردشة مشفّر للتواصل المباشر مع واشنطن وحلفائها.
الصلة الإيرانية
تصف الوثائق إيران بأنها "العنصر المحوري" الذي يجمع هذه الدول، وتشير عروض القيادة المركزية الأمريكية إلى إيران والجماعات التابعة لها بوصفها "محور الشر"، وتُظهر خرائط توضح مواقع الصواريخ في غزة واليمن. وترى الولايات المتحدة في هذه الآلية وسيلة لترسيخ "رواية الازدهار والتعاون الإقليمي"، في مواجهة مزاعم طهران بأنها تدافع عن الفلسطينيين.
وقد قُدّمت هذه العروض أيضًا إلى شركاء الولايات المتحدة في تحالف "العيون الخمس" (الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا، ونيوزيلندا)، ما يعكس حجم التنسيق الدولي المحيط بالمشروع.
توسيع التعاون السيبراني
عملت الولايات المتحدة على توسيع نطاق التعاون ليشمل مجالي الأمن السيبراني والمعلومات. إذ تتعهد إحدى الوثائق بإنشاء "مركز سيبراني مشترك للشرق الأوسط" بحلول نهاية عام 2026، لتنسيق التدريبات والمناورات في مجال الدفاع الرقمي. كما يُخطط لإنشاء "مركز دمج المعلومات" لتبادل البيانات الاستخباراتية في الوقت الفعلي وتنسيق العمليات المشتركة في مناطق النزاع.
ومن المتوقع أن يكون المركز السيبراني منصة تدريب وتعليم للخبراء الإسرائيليين والعرب على حد سواء، بينما يُتيح مركز المعلومات الإقليمي للدول المشاركة دمج معلوماتها في تخطيط وتنفيذ العمليات.
دور سعودي بارز
بحسب الوثائق، لعبت السعودية دورًا فاعلًا في هذه الآلية، حيث تبادلت معلومات استخباراتية مع إسرائيل وشركاء عرب آخرين، وقدّمت إحاطات أمنية حول سوريا واليمن ونشاط تنظيم داعش. وعُقد أحد أبرز الاجتماعات في يناير الماضي في قاعدة فورت كامبل بولاية كنتاكي، حيث تلقّى المشاركون تدريبًا على كشف وتدمير أنفاق الهجوم المستخدمة في غزة. وفي اجتماع آخر، قدّم مسؤولون سعوديون وأمريكيون إحاطات حول النشاط الروسي والتركي والكردي في سوريا، إضافة إلى التهديدات التي يشكّلها الحوثيون في اليمن وداعش في العراق وسوريا.
توتر مع قطر
تدهورت العلاقات بعد هجوم شنّه سلاح الجو الإسرائيلي على الدوحة الشهر الماضي، استهدف كبار مسؤولي حماس. وقد فاجأ الهجوم واشنطن وأثار توترًا حادًا مع قطر، التي تُعد شريكًا رئيسيًا في الآلية السرية. ونتيجة لذلك، ضغط الرئيس ترامب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما دفع الأخير إلى تقديم اعتذار في مكالمة هاتفية مسجّلة من المكتب البيضاوي، والتعهّد بعدم تكرار مثل هذا الهجوم.
ولم تُخطر الولايات المتحدة مسبقًا بالهجوم، ووفقًا لمصادر عسكرية أمريكية، فإن أنظمة الرادار الأمريكية لم ترصد الطائرات الإسرائيلية، نظرًا لتركيزها على ساحات أخرى، لا سيما إيران.
بين السرية والعلنية
تؤكد الوثائق أن هذه الشراكة "لا تُشكّل تحالفًا جديدًا"، وأن "جميع الاجتماعات يجب أن تُعقد بسرّية تامة". في المقابل، واصل القادة العرب انتقاد إسرائيل علنًا. ففي الأمم المتحدة، وصف أمير قطر العملية في غزة بأنها "حرب إبادة عنصرية ضد الشعب الفلسطيني"، فيما اتهمت وزارة الخارجية السعودية إسرائيل بـ"تجويع الفلسطينيين والتطهير العرقي".
وتُظهر الوثائق أن الدول العربية، رغم تعاونها الأمني مع إسرائيل، لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة كضامن لأمنها، لكنها في الوقت ذاته تخشى من إسرائيل كقوة عسكرية غير مقيّدة. ويقول البروفيسور توماس جونو من جامعة أوتاوا: "تخشى دول الخليج إسرائيل غير المنضبطة، لكنها تعتمد على الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه قلقة من تنامي نفوذ إيران".
استمرار زخم التطبيع
من منظور واشنطن، يهدف هذا التعاون إلى الحفاظ على زخم اتفاقيات إبراهيم، وتعزيز التطبيع الأمني التدريجي بين إسرائيل والعالم العربي. وقد أعلنت واشنطن إرسال 200 جندي أمريكي للمساعدة في مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وأشار الرئيس ترامب إلى احتمال انضمام جنود من الدول العربية الشريكة في الآلية الأمنية.
ورغم إعلان الدول المشاركة دعمها العلني لخطة ترامب لإنهاء الحرب، والتي تتضمّن إنشاء قوة دولية للعمل في غزة وتدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة، إلا أن أياً منها لم يلتزم رسميًا بإرسال قوات عسكرية.