مبنى كريات غات وإدارة خطة ترامب ..

 صحيفة هآرتس

 من مبنى في كريات غات، سيحاول الأميركيون منع إسرائيل وحماس من تقويض إنجازهم
ليزا روزوفسكي
​​​​​​​
تحوّل مبنى جديد في المنطقة الصناعية بمدينة كريات غات خلال الأسبوع الأخير إلى واحدة من أهم النقاط في الشرق الأوسط. ففي هذه المدينة الواقعة جنوب تل أبيب، قرّر الأميركيون، بدعم من دول المنطقة، إقامة مركز تنسيق مدني–عسكري هدفه الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة. من هناك سيُشرف الأميركيون على تطبيق الاتفاق، وعلى القوات الأجنبية التي يُفترض أن تبدأ العمل في غزة، وعلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

افتتح نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس المركز رسميًا في مؤتمر صحفي أمس (الثلاثاء) بحضور مبعوثَي الرئيس دونالد ترامب – ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر – وقائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر. وأمضى فانس كامل ساعات بعد الظهر في "جلسات إحاطة طويلة من ضباط أميركيين وإسرائيليين"، كما وصف أحد مساعديه.

في ساحة المؤتمر، زُيّنت المنصة بأعلام ألمانيا، بريطانيا، كندا، الدنمارك، والأردن. في الوسط وُضع العلمان الأميركي والإسرائيلي، لكن اللافت أن أي ممثل رسمي من الحكومة الإسرائيلية لم يحضر الحفل. داخل المبنى تجوّل ضباط إسرائيليون، جنود أميركيون، وحتى بريطانيون. ووفق لافتة جديدة على أحد الأبواب، خُصص طابق للولايات المتحدة فقط، وآخر لإسرائيل، بينما الطابق المشترك خُصص للغرف التي ستُدار منها الاجتماعات الثنائية.

رغم أن كلمات المتحدثين أكدت أن مستقبل القطاع ما يزال غامضًا، إلا أن حقيقة واحدة بقيت ثابتة: الأميركيون يرون في اتفاق وقف إطلاق النار إنجازًا كبيرًا، ولا ينوون السماح بانهياره. خلف المتحدثين نُصبت لوحتان كبيرتان تحملان النقاط العشرين لخطة ترامب، في مشهد أقرب إلى "ألواح الوصايا"، لتأكيد أهمية الاتفاق.

فانس، مثل الرئيس ترامب نفسه، رفض تحديد موعد نهائي لنزع سلاح حماس، وأكد أن على إسرائيل ودول الخليج (ويقصد السعودية والإمارات) التحلي بالصبر. حتى الآن لا توجد دول التزمت علنًا بالمشاركة في "قوة الاستقرار الدولية"، لكن ترامب شكر أمس إندونيسيا، الدولة الوحيدة التي أعلنت استعدادها لإرسال 20 ألف جندي، فيما تواجه واشنطن صعوبات بإقناع دول أخرى بالانضمام، بحسب تقرير "نيويورك تايمز".

الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي أبدت حماسًا لإرسال قوات إلى غزة هي تركيا، وهذا ما يثير قلقًا بالغًا في إسرائيل. فانس قال إنه لا نية لفرض قوات غير مقبولة على إسرائيل "في أراضيها"، لكنه شدّد على أن لتركيا دورًا بنّاءً في القطاع، حتى لو لم يكن عسكريًا. كما أكد أن الجنود الأميركيين لن تطأ أقدامهم أرض غزة، في تصريح يُفترض أنه يعبّر عن رغبة مشتركة لدول أخرى لكنها تخشى إعلانها علنًا بسبب الضغط الأميركي.

الجزء الأكثر لفتًا في النقاشات الأميركية هو نيتهم البدء بإعادة إعمار أجزاء من القطاع التي ما تزال تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وعندما سُئل فانس عن هذه الإمكانية، أحال الإجابة إلى كوشنر، الذي أكد أن هذا الاحتمال يُدرَس بالفعل، مضيفًا: "تُجرى مراجعات للمناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، وعلينا ضمان أن يتمكّن سكان غزة من العيش في بيئة مزدهرة وآمنة".

هذا التصريح يعني أن فكرة "المدينة الإنسانية"، التي طُرحت في الحكومة الإسرائيلية قبل أشهر، لم تُدفن تمامًا. فمسؤولو إدارة ترامب تحدّثوا الأسبوع الماضي عن "تمكين حياة مدنية لائقة" في مناطق مثل رفح الخالية من حماس والخاضعة حاليًا لسيطرة الجيش الإسرائيلي. وإذا بدأ فعلاً ترميم هذه المناطق، فسيكون لذلك أثر هائل، إذ قد يرسّخ واقعًا ميدانيًا يمنع الجيش الإسرائيلي من الانسحاب من أكثر من نصف مساحة القطاع لسنوات طويلة مقبلة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025