من كريات جات لا يرون كريات أربع,,,الضفة تستصرخ

– صحيفة هآرتس
بقلم جدعون ليفي 

في الضفة الغربية لم يسمع أحد عن وقف إطلاق النار في غزة. لا الجيش، ولا المستوطنون، ولا الإدارة المدنية، وبالطبع لا ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون تحت حكمهم القمعي. لا يشعرون بأي نهاية للحرب. من جنين إلى الخليل لا يوجد وقف إطلاق نار. سنتان من نظام رعب تحت غطاء الحرب في غزة، التي تُستخدم ذريعة مشبوهة وستار دخان، ولا علامة على قرب انتهائها في الضفة. كل القيود القاسية التي فرضت على الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول بقيت كما هي، وبعضها ازداد شدة. عنف المستوطنين مستمر، ومعه مشاركة الجيش والشرطة في أعمال الشغب. في غزة، القتل والطرد قلّا، أما في الضفة فكل شيء مستمر كأن لا وقف للنار.

حتى الإدارة الأمريكية، الفاعلة جداً في غزة، تغمض عينيها وتخدع نفسها بشأن الضفة. يكفيها أنها أوقفت الضم. "لا تقلقوا بشأن الضفة الغربية، إسرائيل لن تفعل شيئاً هناك"، طمأن دونالد ترامب الأسبوع الماضي، بينما خلف ظهره إسرائيل تفعل وتفعل — كل ما تستطيع لتدمير وسلب وإذلال ومنع حياة طبيعية. أحياناً يبدو أن ما يفعله قائد القيادة الوسطى، اللواء آفي بلوت، المطيع لوزيره بتسلئيل سموتريتش، بالتعاون مع المستوطنين والشرطة، هو تجربة على البشر: "لنرَ إلى أي مدى يمكن تعذيبهم قبل أن ينفجروا". الأمل بأن تهدأ شهوة الإيذاء بعد انتهاء القتال في غزة خاب. الحرب هناك كانت مجرد ذريعة. ما دامت وسائل الإعلام تتجاهل الضفة ومعظم الإسرائيليين لا يهتمون بما يُفعل فيها، وحتى الأمريكيون غير مبالين، فليستمر الأمر.

كان السابع من أكتوبر فرصة تاريخية للمستوطنين وأعوانهم ليفعلوا ما لم يجرؤوا عليه لسنوات. لم يعد بالإمكان أن تكون فلسطينياً في الضفة. لم تُدمّر مثل غزة، ولا تضم عشرات الآلاف من القتلى، لكن الحياة فيها أصبحت مستحيلة. من الصعب تخيل أن قبضة الحديد الإسرائيلية ستستمر طويلاً دون انفجار عنيف، ومحق هذه المرة.

150–200 ألف فلسطيني من الضفة كانوا يعملون في إسرائيل عاطلون منذ عامين. عامان بلا دخل واحد. كما خُفِّضت رواتب عشرات آلاف موظفي السلطة الفلسطينية بسبب تشديد قبضة إسرائيل على أموال الضرائب المستحقة لهم. الفقر والبؤس في كل مكان، ومعهما حواجز لم يشهد مثلها أحد من قبل، لا من حيث العدد ولا المدة. مئات الحواجز الآن، لا توجد بلدة واحدة بلا بوابات حديد مغلقة أو تُفتح وتُغلق متى شاءوا. لا أحد يعرف ما المفتوح وما المغلق ومتى. كل شيء اعتباطي، تحت ضغط المستوطنين الذين صار الجيش خادماً ذليلاً لهم. هكذا هو الحال حين يكون سموتريتش "وزير الضفة".

أُقيم منذ 7 أكتوبر المشؤوم نحو 120 بؤرة استيطانية جديدة، معظمها عنيف، استولى على عشرات آلاف الدونمات بدعم الدولة. كل أسبوع بؤر جديدة ومعها تطهير عرقي غير مسبوق: حسب تقرير نشرته “هآرتس”، منذ الحرب هرب سكان 80 قرية فلسطينية من بيوتهم خوفاً من المستوطنين الذين استولوا على أراضيهم.

الضفة تتغير ملامحها يوماً بعد يوم. أراها بعيني المندهشتين. ترامب يستطيع التفاخر بأنه أوقف الضم، لكن الضم ترسّخ كما لم يترسخ من قبل. من المقر الذي أقامه في كريات جات ربما يرون غزة، لكنهم لا يرون كريات أربع. مثل غزة تماماً، الضفة تصرخ مطالبة بتدخل دولي عاجل. سواء كانوا جنوداً أمريكيين أو أوروبيين أو إماراتيين أو حتى أتراكاً — يجب على أحد أن يحمي السكان العزّل. يجب على أحد أن يخلّصهم من مخالب الجيش والمستوطنين. فقط تخيّل جندياً أجنبياً على الحاجز يوقف عصابة مستوطنين في طريقهم إلى تنفيذ مذبحة. حلم.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025