مكانة تركيا وقطر كوسطاء تُعرّض إسرائيل للخطر

 N12
 البروفيسور كوبي ميخائيل –


اختيار الولايات المتحدة لتركيا وقطر كوسيطتين رئيسيتين يشكّل تهديداً استراتيجياً يتجاوز حدود قطاع غزة. هذه الخطوة تمنح شرعية لطموحات أنقرة في الهيمنة الإقليمية، وتضع إسرائيل ومصر والسعودية في مواجهة مباشرة مع محور الإخوان المسلمين الذي شرعنته واشنطن.

المرحلة الأولى من خطة “21 نقطة” التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحققت بعد التفاهمات التي جرى التوصل إليها بوساطة تركية–قطرية–مصرية، ويبدو أن تركيا لعبت الدور الأهم والأكثر تأثيراً في الضغط على حركة حماس لقبول الخطة.
هذه الخطة ركزت على المرحلة الأولى التي تشمل إطلاق سراح الأسرى الأحياء وإعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي على طول الخط الأصفر، وهو ما يعني فعلياً نهاية الحرب.

ترامب، الذي قرر إنهاء الحرب المستمرة منذ عامين، فعل ذلك إما لقناعته بأن لا جدوى من استمرارها – حتى من منظور المصالح الإسرائيلية – أو خوفاً من تدهور إقليمي واسع بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة التي كانت تهدد مصالح أمريكية حيوية في المنطقة. مثل هذا التصعيد كان من شأنه أن يعرقل خطته لبناء هندسة إقليمية جديدة تقوم على توسيع اتفاقات أبراهام. لذلك فرض ترامب مبادئ خطته على الأطراف، وترك تفاصيل التنفيذ لمفاوضات لاحقة.

الرئيس الأمريكي اختار تركيا وقطر لقدرتهما على التأثير على حماس، وكلفهما بمهمة إقناع قياداتها. بهذا القرار، فتح ترامب الباب أمام تدخل تركي–قطري مباشر في تنفيذ الخطة، بما في ذلك وجود فعلي في غزة، ودور مركزي في إعادة الإعمار، والمشاركة في قوة الاستقرار الدولية، إضافة إلى دور في إدارة “حكومة الوصاية” التي يُفترض أن يقودها توني بلير.
لكن من المشكوك فيه أن يكون ترامب قد قدّر تماماً تداعيات هذه الخطوة على مصالح الوسيطتين وعلى الأمن الإقليمي، خصوصاً بالنسبة لإسرائيل ومصر والسعودية.

كلا من تركيا وقطر تدعمان الإخوان المسلمين، بما في ذلك حركة حماس، ومن المنطقي افتراض أنهما ستسعيان لحماية مصالح الحركة. لذا من المتوقع أن تعمل الدولتان على الحفاظ على قوة حماس ونفوذها كلاعب رئيسي في الساحة الفلسطينية، وتهيئة الظروف لسيطرتها المستقبلية الكاملة عليها بدلاً من السلطة الفلسطينية وليس بالشراكة معها.

في ما يخص تركيا، الوضع أخطر.
طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان بالهيمنة الإقليمية – التي لا يخفيها – تشكل تهديداً فعلياً لإسرائيل، ولمصر، وللسعودية، وللإمارات.
توسيع التدخل التركي في غزة، مع وجود فعلي فيها، إلى جانب تدخلها في سوريا، وعلاقات أردوغان الوثيقة مع ترامب، ستمكّنه من تحقيق خطوات استراتيجية جديدة تُقيّد حركة إسرائيل والدول السنية “البراغماتية”، كما تهدد مصالح قبرص واليونان.

ورغم المخاطر، يرى الكاتب أن في ذلك فرصة محتملة:
رغبة تركيا في لعب دور مركزي في غزة تتطلب تعاوناً وتنسيقاً مع إسرائيل.
العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة – القائمة على القرب الشخصي بين نتنياهو وترامب – تتيح تنسيقاً حميماً يمكن أن يساعد في تخفيف التوتر مع أنقرة. لإسرائيل مصلحة حقيقية في تحسين العلاقات مع تركيا، وربما في قرار ترامب بمنح أردوغان دوراً محورياً فرصة لتغيير إيجابي.

من هنا، يدعو الكاتب القيادة الإسرائيلية إلى التحرك فوراً لتأسيس محور تعاون مع السعودية ومصر من أجل كبح نفوذ تركيا وقطر، وإقناع الرئيس الأمريكي بالبقاء مركزاً وحازماً في تنفيذ خطته، وضمان أن تُفضّل واشنطن المصالح الإسرائيلية والإقليمية على مصالح أنقرة والدوحة.
---
البروفيسور كوبي ميخائيل هو باحث في المركز الإسرائيلي للاستراتيجية الكبرى (ICGS)، وزميل كبير في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، متخصص في قضايا الأمن والاستخبارات، الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، العلاقات بين الجيش والمجتمع، والدول الفاشلة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025