صحيفة معاريف
تحليل سياسي –
الكاتبة: آنا برِسكي
يمكن القول الآن إن المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة انتقلت من الشعارات إلى الدبلوماسية الصلبة. لم تعد مجرد صور مصافحة وأحاديث عن "غزة الجديدة"، بل أصبحت لعبة شطرنج إقليمية، كل طرف فيها يسحب باتجاهه – وإسرائيل، مرة أخرى، تُدفع إلى الزاوية.
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لم يصل إلى المنطقة حاملاً رسالة أمريكية جاهزة ضد التمركز التركي في غزة، بل جاء لتأكيد نتيجة الإصرار الإسرائيلي في هذا الموضوع. بعد جولات من الإحاطات والضغوط والخطوط الحمراء التي نقلتها القدس لواشنطن، روبيو أشار بوضوح:
الولايات المتحدة تتبنى الموقف الإسرائيلي الرافض لوجود تركي في قطاع غزة.
من الناحية الدبلوماسية، هذا إنجاز لإسرائيل – لكن إنجاز غير مستقر. فكل شيء في الخطة الأمريكية لغزة ما زال متحركاً. في هذا المشهد الديناميكي، على إسرائيل أن تبقى يقظة ومشاركة في كل لحظة، وإلا ستستيقظ على واقع جديد لم تكن طرفاً في صياغته.
في المقابل، السعودية تضع شرطاً لا يرغب أحد في القدس بسماعه:
الرياض تريد أن تلعب دوراً محورياً ونشطاً في إعادة إعمار غزة، لكنها لن تفتح خزانتها المالية قبل قيام حكومة فلسطينية تكنوقراطية تحت رعاية فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي عالم يُعتبر فيه المال السعودي هو وقود “اليوم التالي”، فهذا الموقف لا يجمّد العملية تماماً، لكنه بالتأكيد يؤخرها.
بالنسبة للسعوديين، إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ليست شعاراً، بل شرط أساسي للتسوية الإقليمية.
أما بالنسبة لنتنياهو، فهو خط أحمر مطلق. وهكذا، يعود الشرق الأوسط إلى نقطة الغليان القديمة الجديدة: الجميع يتحدث عن غزة، لكن الملف الحقيقي هو القدس.
في هذه الأثناء، تدخل تركيا من الباب الجانبي. بالتعاون مع قطر، تعمل أنقرة خلف الكواليس على ما تسميه "إعادة تسويق" حماس: تأسيس حزب جديد، اسم جديد، شعار جديد — لكن الجوهر يبقى كما هو.
أردوغان وأمير قطر أوضحا لقيادة غزة أن الوقت قد حان لتبديل اللافتة، لا النهج.
قد يبدو الأمر كأنه خدعة سياسية، لكن في إسرائيل يرونه خطراً واضحاً: فـ"حماس الجديدة" ليست سوى حماس بوجه مختلف يصعب كشفه.
أما مصر، فهي مرة أخرى في دور الوسيطة الوطنية. القاهرة تحاول دفع مصالحة بين فتح وحماس، تماماً كما حاولت عام 2005، بهدف ضبط الحدود، وإحكام السيطرة على معبر رفح، والحفاظ على مكانتها كوسيط لا يمكن تجاوزه.
لكن إذا حكمنا على سرعة الأحداث، فنحن نقترب من مشهد 2005 بنسخة عالية الدقة (HD): محاولة تشكيل حكومة فلسطينية “معتدلة” في غزة تضم الجميع وقد تنتهي في المكان نفسه —
حكم حمساوي بواجهة مدنية، تحالف هش، وعودة صافرات الإنذار في بيوت الإسرائيليين. المؤشرات موجودة، فقط الأسماء تتبدل.
السيناريو البديل المتفائل الذي تراهن عليه القدس بسيط على الورق:
أن واشنطن ستمنع أي محاولة لإعادة تأهيل حماس داخل الحكومة الجديدة في غزة، وأن عملية نزع السلاح ستتقدم، بينما تتابع إسرائيل تفكيك ما تبقى من البنية العسكرية في الميدان.
لكن المأزق واضح: من دون حكومة مدنية لا يوجد شريك، ومن دون شريك لا يوجد إعمار، ومن دون إعمار تعود الأمور إلى نقطة الصفر. دائرة مغلقة.
في نهاية كل هذه التحركات والتصريحات والقمم، تتضح الحقيقة:
السؤال ليس من سيدير غزة، بل من سيتمكن من السيطرة على الواقع المتغير حولها.
وإذا أخطأت إسرائيل في خطواتها، فستجد نفسها مجدداً تتصرف كردّ فعل بدل أن تكون صاحبة المبادرة.