"هناك خشية من أن تركيا تحاول جرّ إسرائيل إلى مواجهة عسكرية"

معاريف أونلاين 

فلِد أربِلي

مقابلة وتحليل سياسي 

تحدثت صحيفة معاريف مع الدكتور موشيه إلعاد، عقيد احتياط ومستشرق، حول السؤال الذي يشغل السياسيين في المنطقة منذ عقدين: ما الذي يدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في علاقته مع إسرائيل؟

يقول الدكتور إلعاد:

> "حتى عام 2003، حين تولى أردوغان الحكم، كانت تركيا تحت سيطرة نخب علمانية قومية موالية للغرب، متأثرة بفكر مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. كانت ترى نفسها جزءاً من الغرب، عضواً في الناتو منذ 1952، ولها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة، وتمارس سياسة خارجية حذرة تقوم على مبدأ صفر مشاكل مع الجيران، لكنها أبقت مسافة من الدول العربية المعادية لإسرائيل."

ويضيف:

> "كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949. لعقود، كانت العلاقات رسمية ومحدودة، لكن منذ الثمانينيات بدأت تتحسن تدريجياً على خلفية مصالح استراتيجية مشتركة ضد سوريا وإيران والإرهاب الكردي.
تسعينيات القرن الماضي كانت العصر الذهبي للعلاقات الأمنية: وُقّعت اتفاقيات تعاون عسكري واستخباراتي، جرت تدريبات وزيارات متبادلة، وقدمت إسرائيل لتركيا أسلحة وتكنولوجيا، وأصبحت شريكاً أمنياً أساسياً."

لكن بعد وصول أردوغان إلى الحكم عام 2003، تغير وجه تركيا كلياً.

> "قاد نمواً اقتصادياً وتطوراً واسعاً، لكنه ركز السلطة بيده وأثار جدلاً حول الديمقراطية والحريات. عداؤه لإسرائيل تعمّق في أواخر العقد الأول من الألفية، من منطلقات دينية وأخلاقية وسياسية إقليمية"، يوضح إلعاد.

ويشرح:

> "من خلال خطاباته، تظهر عدة دوافع رئيسية: التعاطف مع الفلسطينيين والإسلام، وتقديم نفسه كـحامي العالم الإسلامي ومدافع عن الشعب الفلسطيني. يهاجم سياسة إسرائيل في غزة والضفة، ويقول إنها تضطهد الفلسطينيين وتعتدي على المسلمين."

ويذكر إلعاد حادثة سفينة مرمرة عام 2010 باعتبارها نقطة التحول:

> "بعد الهجوم الإسرائيلي على القافلة التركية إلى غزة، ومقتل مواطنين أتراك، استخدم أردوغان الحدث كرمز لعدائه تجاه إسرائيل، واتهمها بأنها دولة إرهاب."

رغم ذلك، يشير المستشرق إلى أن أردوغان، على غرار قادة إيران الشيعة، يسعى إلى القيادة الإقليمية، وأن هجومه اللفظي على إسرائيل يهدف أيضاً إلى تعزيز مكانته كزعيم للعالم السني ومعارض رئيسي لإسرائيل، وهي نغمة تلقى صدى واسعاً في العالم الإسلامي.
ومع ذلك، لم يقطع العلاقات تماماً:

> "التجارة والعلاقات الاقتصادية والأمنية استمرت بمستوى معين، وشهدت السنوات الأخيرة (منذ 2022) محاولات للمصالحة الجزئية."

الصراع الاقتصادي والجيوسياسي:

> "نقطة الاحتكاك القادمة ستكون في البحر المتوسط،" يقول إلعاد.
"وفق عقيدة الوطن الأزرق، تسعى تركيا للسيطرة على المجال البحري المحيط بها، لضمان الوصول إلى مصادر الطاقة ومسارات التجارة، وترسيخ نفسها كقوة إقليمية مستقلة عن الغرب.
هذا يظهر في محاولاتها تقويض التعاون بين إسرائيل، اليونان وقبرص، وفي تحالفاتها مع دول مسلمة مثل ليبيا.
لكنها حذرة من التصعيد المباشر، وتحافظ على توازن بين القوة العسكرية (القوة الصلبة) والدبلوماسية (القوة الناعمة)."
البعد السياسي:

> "أهداف تركيا الإقليمية تستند إلى عقيدة أمن قومي مستمدة من الميراث العثماني، وإحساس قومي قوي، وطموح للعودة كقوة إقليمية كبرى، مع الاستفادة من تحالفها مع ترامب وعضويتها في الناتو.
تحت حكم أردوغان، تطمح تركيا إلى ترسيخ استقلالها السياسي والعسكري، وتوسيع نفوذها الجيوإستراتيجي في شرق المتوسط، ما قد يمتد إلى سوريا والضفة الغربية، وقد بدأ فعلاً في قطاع غزة."

البعد العسكري:

> "حالياً، لا يُتوقّع صدام مباشر بين تركيا وإسرائيل، لكن التوتر يتزايد، خصوصاً في الساحة السورية.
سُجّلت تقارير عن احتكاكات بين طائرات تركية وإسرائيلية فوق سوريا، رغم نفي الجيش الإسرائيلي.
وأجرت الدولتان اتصالات سرية برعاية أمريكية لإنشاء آلية تنسيق عسكري لتفادي أي صدام."

ومع ذلك، يحذر إلعاد:

> "هناك خشية في إسرائيل من أن تحاول تركيا جرّها إلى مواجهة عسكرية.
مصدر إسرائيلي أعرب عن قلق من تصعيد محتمل، خاصة بعد غارات إسرائيلية في سوريا استهدفت معدات عسكرية زودت بها تركيا النظام السوري.
كما وردت تقارير عن علاقات وثيقة بين حماس وتركيا، تشمل إنشاء مكتب للحركة في تركيا، تمويل شهري، ومساعدة في تنفيذ عمليات ضد إسرائيل."

وفي الختام، يقول الدكتور موشيه إلعاد:

> "رغم عدم وجود مؤشرات على صدام مباشر بين تركيا وإسرائيل، إلا أن التوتر في سوريا والعلاقة بين أنقرة وحماس يثيران القلق من احتمال التصعيد.
تركيا أردوغان لم تعد تركيا أتاتورك؛ إنها تمزج بين الدين والقومية والطموح الإقليمي،
وإسرائيل تجد نفسها في قلب هذه المعادلة — كهدف، وكتهديد، وأحياناً كشريك محتمل."

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025