تسفي برئيل – صحيفة هآرتس
العلاقة الوثيقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكون أنقرة تُعد الدولة التي أقنعت حركة حماس بقبول خطة وقف الحرب، جعلتا تركيا لاعبًا مركزيًا في رسم مستقبل الشرق الأوسط، في المقابل، تعارض إسرائيل بشدة أي مشاركة تركية في القوة الدولية المزمع دخولها إلى غزة، لكن من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيصغي لموقفها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرّح مؤخرًا بأن إسرائيل "تسيطر على أمنها" وأنها هي من ستحدد الدول المقبولة في القوة الدولية. غير أن هذا الموقف – كما يشير المقال – يحمل تناقضًا منطقيًا: كيف يمكن لإسرائيل أن تزعم السيطرة الكاملة بينما تفكر بتسليم الإشراف الأمني إلى قوة متعددة الجنسيات؟
حتى الآن لم تُحدد هوية هذه القوة، ولا توجد دولة مستعدة لإرسال جنودها دون تفويض واضح من الأمم المتحدة أو اتفاق رسمي، ومع ذلك، يدور خلف النقاش حول غزة صراع أوسع بين إسرائيل وتركيا على النفوذ الإقليمي، يتجاوز حدود القطاع إلى الشرق الأوسط بأكمله.
في الماضي، كانت العلاقات بين تل أبيب وأنقرة وثيقة، وكانتا شريكتين في مجالات الطاقة والدفاع، لكن التوترات السياسية بين قيادتي البلدين خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة أنهت هذا التحالف، ومع ذلك، ما زال التعاون الاقتصادي قائمًا في بعض المجالات الحساسة، مثل استمرار تدفق النفط الأذري إلى إسرائيل عبر الأراضي التركية بموجب اتفاقيات تمنع تعطيله لأي سبب سياسي.
تركيا التي تصفها الأوساط الإسرائيلية اليوم بأنها "الشيطان الجديد" لعبت دورًا محوريًا في إضعاف نظام بشار الأسد وإبعاد إيران وحزب الله عن سوريا. هذا الدور أكسبها عداوة طهران، لكنه جعلها قوة إقليمية ذات نفوذ عسكري وسياسي واسع يمتد إلى ليبيا وقطر والصومال والعراق وسوريا، وحتى أذربيجان وجيبوتي.
كما استطاعت أنقرة خلال السنوات الثلاث الماضية إصلاح علاقاتها مع السعودية والإمارات ومصر، وأصبحت ضيفًا دائمًا في القمم العربية والدولية. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحت تركيا واحدة من الدول القليلة التي تؤثر فعليًا في توجهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
تركيا تمارس دبلوماسية متعددة المسارات: فهي عضو في حلف الناتو لكنها في الوقت نفسه اشترت منظومة الدفاع الروسية S-400 مما أدى إلى عقوبات أميركية عليها. وعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، لم تنضم أنقرة إلى العقوبات ضد موسكو، بل توسطت بين روسيا وأوكرانيا في اتفاق تصدير الحبوب الذي ساهم في حل أزمة الغذاء العالمية. وفي الوقت نفسه باعت طائرات مسيّرة هجومية لكييف واستمرت بشراء الغاز والنفط من روسيا بمليارات الدولارات، ما مكّنها من موازنة مصالحها بين المعسكرين.
أما علاقتها بالاتحاد الأوروبي فظلّت متوترة. فمفاوضات انضمامها تعثرت بسبب اعتراضات أوروبية على أوضاع الديمقراطية وحقوق الأكراد، وهو ما تعتبره أنقرة ذريعة لرفض انضمام دولة مسلمة للاتحاد. رغم ذلك، استطاعت تركيا عام 2016 أن تفرض على أوروبا "اتفاق اللاجئين"، الذي أوقف تدفق ملايين السوريين مقابل ستة مليارات دولار وتنازلات سياسية محدودة، مما منحها ورقة ضغط قوية على القارة.
في عام 2019 هدّد أردوغان بأنه سيفتح الحدود أمام اللاجئين ما لم توافق واشنطن وأوروبا على إقامة "منطقة آمنة" شمال سوريا. وبعد مفاوضات سمح له ترامب بإنشائها، فتحولت لاحقًا إلى ساحة معارك دامية ضد القوات الكردية. الكاتب يرى أن أفكار أردوغان لتلك المنطقة كانت الأساس الذي استلهم منه ترامب مشروع "ريفييرا غزة" لإعادة إعمار القطاع.
اليوم تحاول إسرائيل منع مشاركة تركيا في القوة الدولية بزعم الحفاظ على "السيادة الأمنية"، لكن الواقع أن أنقرة منخرطة فعليًا في غزة عبر منظمات إغاثة مثل IHH، المعروفة بقيادتها أسطول "مافي مرمرة" عام 2010، والتي تنشط حاليًا في إزالة الأنقاض داخل القطاع.
في واشنطن تُنسب إلى تركيا الفضل في إقناع حماس بقبول خطة "النقاط العشرين"، وهو ما منح أردوغان مكانة خاصة لدى ترامب. كما يُتوقع أن تلعب تركيا دورًا رئيسيًا في مؤتمر المانحين الذي تستضيفه مصر مطلع نوفمبر، ليس فقط بصفتها ضامنة مع قطر لتصرف حماس، بل أيضًا بسبب تحسن علاقاتها الاقتصادية مع القاهرة بعد سنوات من التوتر.
ويختتم المقال بأن قرار ترامب النهائي سيحدد ملامح المرحلة المقبلة: فإذا اعتبر أن مشاركة تركيا ضرورية لتشكيل القوة الدولية في غزة، فسيجد الطريقة لإقناع إسرائيل بقبول ذلك — وربما يستغل الفرصة لعقد "اتفاق سلام جديد" بين أنقرة وتل أبيب.