كيف نتعامل مع تخريب نتنياهو للاتفاق؟

إبراهيم المدهون

كاتب ومحلل سياسي

بقلم/ إبراهيم المدهون


يبدو واضحًا أن بنيامين نتنياهو يسعى إلى تقويض اتفاق إنهاء حرب غزة عبر مجموعة من المسارات المتشابكة، فهو يحاول حصر الاتفاق في مرحلته الأولى دون تنفيذها الكامل، مع العمل على ترسيخ قواعد اشتباك تمنحه حرية القصف والاغتيال والتوغّل متى شاء، وفي الوقت نفسه، يواصل فرض الحصار وإغلاق المعابر، ولا سيما معبر رفح، ويمنع عودة من هم خارج القطاع، ويقيد إدخال المساعدات، ويبقي على حالة الخنق الاقتصادي والإنساني.

إضافة إلى ذلك، يعمل نتنياهو على منع إعادة الإعمار والإبقاء على انتشار قواته في ما يعرف بالمنطقة الصفراء، مع التفكير في توسيعها مستقبلًا.

ولتبرير هذه السياسات، سيستمر في توظيف ذرائع متعددة، منها قضية الجثامين أو جثث الأسرى التي لم تُسلَّم بعد، وسيبقي هذه الملفات حاضرة على أجندته الإعلامية والسياسية، ليستخدمها كأدوات ضغط كلما احتاج إلى ذرائع جديدة. كما سيواصل التذرع بوقائع غامضة أو ملفقة في رفح أو غيرها لتبرير استمرار العدوان.

من المهم إدراك أن نتنياهو لا يريد هذا الاتفاق، بل فُرض عليه تحت ضغط داخلي وخارجي، لذلك سيحاول إفشاله خطوة بخطوة عبر التصعيد والابتزاز. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى إدارةٍ هادئة ومتزنة، تتعامل مع الواقع بنفس طويل وحسابات دقيقة، وتتفادى الانفعال أو منح الاحتلال أي فرصة لتحقيق أهدافه الإعلامية أو الميدانية.

على القيادات السياسية والميدانية والرموز الوطنية في قطاع غزة أن تتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وأن تتوحد في الرؤية والموقف، إدراكًا لحساسية المرحلة ودقة الظروف، وألّا توفر للاحتلال بنك أهداف سهل الوصول إليه.

في المقابل، يجب تفعيل جهد دبلوماسي منسق، يربطنا بالدول العربية والإسلامية، وبالقوى الدولية الكبرى كروسيا والصين، لتزويدها بتقارير دورية أو يومية توثق الانتهاكات الإسرائيلية والواقع الإنساني في غزة، مع مطالبتها بالقيام بدور فعّال للضغط على الاحتلال.

كما يجب إطلاق حملة إعلامية شاملة، بلغات متعددة، تكشف نوايا الاحتلال وجرائمه، وتُبرز معاناة المدنيين في غزة، وتفضح محاولات الالتفاف على الاتفاق. الإعلام الواعي والمسؤول هو سلاح لا يقل أهمية عن أي ميدان آخر.

أما في الساحة الأميركية، فيجب التعامل مع دونالد ترامب بأسلوب مدروس، يخاطب ما يحرك اهتمامه، ويُحمّله مسؤولية الحفاظ على الاتفاق والدفاع عنه، بما يخدم صورة الولايات المتحدة واستقرار المنطقة.

وفي الموقف الفلسطيني، تظلّ الوحدة ضرورة لا ترفًا. المطلوب اليوم تنسيق المواقف، وتجنّب أي احتكاك داخلي أو خطابٍ انقسامي. نحتاج إلى بيانات مشتركة ومواقف موحدة، فهي الرسالة الأقوى لشعبنا وللعالم.

كما ينبغي أن يواكب هذا الجهد تحرك شعبي وإنساني من داخل قطاع غزة، يُظهر تمسك الناس بالاتفاق، ويدين أي انتهاك إسرائيلي له، مع التركيز على المشهد الإنساني بصدقٍ ووعي، بعيدًا عن أي مشاهد أو مواد قد تُستغل لتشويه الصورة أو حرف الأنظار.

ونحتاج أيضًا إلى تفعيل الحراك الشعبي والدولي في الخارج، والعمل على تحريك الساحات وتعزيز الاعتصامات الشعبية لتأكيد أن غزة لم تهدأ بعد، ولم يُرفع عنها الحصار، وما زالت تتعرّض للعدوان، فالحراك الدولي، سواء الرسمي أو الشعبي، من أكثر الأساليب ضغطًا على الاحتلال وعلى الولايات المتحدة الأميركية.

نحن نسير في وسط حقل ألغام، وكل كلمة أو صورة أو مشهد قد تكون ذات أثرٍ كبير، لذلك علينا أن نحسب خطواتنا بدقة، ونوجه رسائلنا بعقل بارد وحكمة عالية، وكلما التزمنا الهدوء والاتزان، خسر الاحتلال قدرته على جرنا إلى المربّع الذي يريده.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025