الكاتب مستشار استراتيجي ومدير أزمات
ترجمة حضارات
القوة الدولية في غزة لم تُنشأ بعد، وهي تُهدد بالفعل سيادة إسرائيل.
تقف إسرائيل الآن عند مفترق طرق تاريخي: فهي تتمتع بدعم أميركي غير مسبوق، لكن هذا الدعم يأتي بتكلفة سياسية وأمنية باهظة.
يشهد العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة تحولاً جذرياً، لم تعد واشنطن مجرد وسيط، بل أصبحت لاعباً مهيمناً يُوجّه مسار خروج إسرائيل من حرب غزة، ويجلب التدخل الأمريكي معه أمناً سياسياً وغطاءً دولياً، بالإضافة إلى ضغط مباشر على القرارات الإسرائيلية على الأرض.
تواجه إسرائيل معضلةً: فمن جهة، تعتمد على الدعم الأمريكي أكثر من أي وقت مضى. ومن جهة أخرى، يُنظر إلى أي تدخل خارجي هنا على أنه انتهاك للسيادة. ويتقلص الفرق بين "التنسيق" و"الرقابة"، ومعه تتزايد التوترات السياسية.
لم تختفِ حماس رغم الضربة القاسية التي تلقّتها. لقد فقدت بنيتها التحتية وقياداتها وأموالها، لكنها لا تزال تسيطر على وعيها وأرضها. إن مزيج الجوع والدمار والانقسام بين الفصائل المسلحة يترك غزة بلا حكومة واضحة. ستواجه أي محاولة لإعادة إعمار القطاع واقعًا من الفوضى وانعدام الثقة تجاه إسرائيل والمجتمع الدولي.
تبدو مقترحات نشر قوة دولية في غزة منطقية نظريًا، لكنها تُثير مخاوف حقيقية في إسرائيل، من سيُسيطر على هذه القوة؟ ماذا سيحدث إذا وقفت بين جيش الدفاع الإسرائيلي وتهديد أمني؟ هل ستُجبر إسرائيل على التخلي عن حرية عملها في منطقة لا تزال خطرة؟ هذه التساؤلات حالت حتى الآن دون التوصل إلى اتفاق، حتى لو كانت لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية رغبة حقيقية في استقرار الوضع.
من المقترحات المثيرة للجدل مشاركة تركيا في مثل هذه القوة . تُقدّم أنقرة نفسها كوسيط إسلامي شرعي، لكن من وجهة نظر إسرائيل والعديد من دول المنطقة، تُعدّ هذه المشاركة عاملاً غير متوقع، بل وعدائياً أحياناً. وكون تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يُعقّد الصورة.
بالتوازي مع الضغوط السياسية، يواجه رئيس الوزراء نتنياهو تحديًا سياسيًا للبقاء. فالتفاهمات المتعلقة بوقف إطلاق النار والحديث عن تدخل دولي في غزة تثير معارضة شديدة من اليمين في الائتلاف الحاكم.
حذّر الوزير بتسلئيل سموتريتش من أن هذه خطوة خطيرة وتخلٍّ عن السيادة. التهديد واضح: أي انحراف عن "خط النصر" قد يؤدي إلى حلّ الحكومة قبل انعقاد الدورة الشتوية المقبلة.
على الصعيد الإقليمي، يؤثر جمود النظام السياسي في إسرائيل بشكل مباشر على إمكانية توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، دول الخليج متخوفة من حكومة تعاني من انقسام داخلي وعجزها عن تقديم رؤية سياسية، تحاول الولايات المتحدة إحياء العملية، لكن دون استقرار في القدس.
تقف إسرائيل الآن عند مفترق طرق تاريخي. فمن جهة، تحظى بدعم أمريكي غير مسبوق. ومن جهة أخرى، يأتي هذا الدعم بتكلفة سياسية وأمنية باهظة.سيكون الشتاء القادم اختبارًا حقيقيًا: إذا نجح نتنياهو في الحفاظ على شركائه ومنع انهيار حكومته، فقد تتمكن إسرائيل من الانتقال بنجاح من حقبة الحرب إلى حقبة إعادة الإعمار. وإلا، فقد تجد نفسها في المعركة المقبلة، حتى قبل أن تنقشع غبار المعركة السابقة.