*العودة إلى عصر النووي: تهديد ترامب، خطر التجارب – والحادثة “الإسرائيلية”.*

واي نت

مرَّ أكثر من 30 عاما منذ أن أجرت الولايات المتحدة آخر تجربة نووية لها، في إطار سباق التسلح مع الاتحاد السوفييتي.
لكن الآن، وفي ظل التنافس مع الصين، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جيشه بالعودة إلى إجراء تجارب على القنابل الذرية. و المعاهدة التي كان يُفترض أن تضع حدا للخطر النووي، والدول التي انتهكتها، و"التجربة الإسرائيلية" مع جنوب إفريقيا.

في 25 سبتمبر 1992 أجرت الولايات المتحدة في موقع نيفادا التجربة النووية المسماة "ديفايدر"، كجزء من عملية "جولين" – سلسلة من 7 تجارب نووية.
كانت تلك التجربة رقم 1032 في تاريخ التجارب الأمريكية – والأخيرة حتى اليوم.

لكن أول أمس (الخميس)، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجيش الأمريكي ببدء تجارب جديدة على الأسلحة النووية فورا، بعد توقف دام 33 عاما، وقبل دقائق من اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
فكم عدد التجارب النووية التي أجريت حتى اليوم؟ ولماذا توقفت؟ ولماذا يريد البعض استئنافها من جديد؟ تقرير موسع لوكالة رويترز يوضح الصورة.

بدأت الولايات المتحدة عصر السلاح النووي بتجربة قنبلة ذرية بقوة 20 كيلوطن في ألماجوردو، نيومكسيكو، في يوليو 1945.
وفي الشهر التالي، أسقطت أول قنبلتين ذريتين في التاريخ – وهما الوحيدتان اللتان استُخدمتا فعليا – على هيروشيما وناغازاكي، مما أدى إلى استسلام اليابان وإنهاء الحرب العالمية الثانية.

في عام 1949، فاجأ الاتحاد السوفييتي الغرب عندما أجرى أول تجربة نووية له في موقع سيميبلاتينسك في كازاخستان، والذي أصبح منذ ذلك الحين الموقع المركزي لتجاربه النووية.

وخلال العقود الخمسة التالية، وحتى توقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT) عام 1996، أُجريت أكثر من 2000 تجربة نووية:

1032 منها على يد الولايات المتحدة،

715 من قبل الاتحاد السوفييتي،

210 من فرنسا، و 45 لكل من بريطانيا والصين.
منذ دخول المعاهدة حيّز التنفيذ، أُجريت فقط 10 تجارب نووية:
الهند أجرت تجربتين عام 1998، وباكستان فعلت الشيء نفسه في العام ذاته، ومنذ ذلك الوقت كانت كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي أجرت تجارب نووية – في 2006، 2009، 2013، 2016 (مرتين)، و2017.

آخر تجربة نووية أمريكية كانت عام 1992، أما الصين وفرنسا فأجرتا آخر تجاربهما عام 1996، والاتحاد السوفييتي عام 1990، قبل انهياره مباشرة. 
وروسيا، التي ورثت معظم الترسانة النووية السوفييتية، لم تُجرِ أي تجربة نووية منذ ذلك الحين.

لماذا توقفت التجارب؟

برزت مخاوف من تأثير التجارب النووية – سواء فوق الأرض أو تحتها أو في أعماق البحار – على صحة الإنسان والبيئة.
كانت آثار التجارب الغربية في المحيط الهادئ وتلك التي أجراها السوفييت في كازاخستان والمحيط المتجمد الشمالي مدمرة، سواء بيئيا أو إنسانيا، إذ تلوثت أراضي ملايين البشر واضطروا للتعامل مع أمراض ومشاكل صحية لعقود.
كما قال المؤيدون لوقف التجارب أن ذلك سيُسهم في خفض التوتر بين موسكو وواشنطن.

المعاهدة تحظر بشكل كامل إجراء أي تجارب نووية.
روسيا وقّعت عليها عام 1996 وصادقت عليها بعد أربع سنوات،
في حين أن الولايات المتحدة وقعت عليها عام 1996 لكنها لم تصادق عليها أبدا.

وفي عام 2023، فلاديمير بوتين ألغى رسميا تصديق روسيا على المعاهدة، مما أدى إلى تصعيد الخلاف مع الولايات المتحدة.

لماذا العودة إلى التجارب النووية؟

الهدف هو جمع المعلومات وإرسال رسالة ردع.
فالتجارب النووية تتيح اختبار مدى فاعلية الأسلحة الحالية ومعرفة ما إذا كانت النماذج القديمة لا تزال تعمل كما ينبغي.

وفي عام 2020، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الإدارة الأمريكية ناقشت مسألة إجراء تجربة نووية جديدة.
إلى جانب جمع البيانات التقنية، ستُعتبر مثل هذه التجربة بمثابة إعلان عن القوة الاستراتيجية الأمريكية أمام روسيا والصين.

وقد حذر بوتين مرارا من أنه إذا استأنفت الولايات المتحدة تجاربها النووية، فإن روسيا ستفعل الشيء نفسه، مشيرا إلى أن سباق التسلح النووي العالمي قد بدأ بالفعل.

عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها كل دولة يُعتبر معلومة سرّية، لكن وفقا لاتحاد العلماء الأمريكيين، تمتلك روسيا 5,459 رأسا نوويا، مقابل 5,177 رأسا للولايات المتحدة. وتشمل هذه الأرقام الرؤوس المنتشرة حاليا، وتلك المخزنة، وحتى التي أُخرجت من الخدمة.

بلغ عدد الرؤوس النووية في العالم ذروته عام 1986 بأكثر من 70 ألف رأس نووي، كان معظمها بيد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. لكن هذا العدد انخفض تدريجيا إلى نحو 12 ألفا، ولا يزال أغلبها بيد الأمريكيين والروس.

ووفقا للمنظمة الأمريكية نفسها، تُعد الصين ثالث أكبر قوة نووية في العالم بعدهما، إذ تمتلك 600 رأس نووي، تليها فرنسا (290)، بريطانيا (225)، الهند (180)، باكستان (170)، إسرائيل (90)، وكوريا الشمالية (50). وتعمل روسيا، وكذلك الصين، على تطوير وتحديث ترساناتها النووية.

وماذا عن إسرائيل؟
بحسب تقارير أجنبية، تمتلك إسرائيل أيضا أسلحة نووية تم تطويرها في مفاعل ديمونة، و التقديرات تشير إلى امتلاكها نحو 90 رأسا نوويا. وقد أفادت وكالة الأنباء الأمريكية AP قبل نحو شهرين، في تقرير تمّت الموافقة عليه من قبل الرقابة العسكرية، بأن إسرائيل تبني منشأة جديدة كبيرة في مجمع مفاعل ديمونة. ويرى الخبراء أن الأمر يتعلق إما بمفاعل مياه ثقيلة جديد أو منشأة لتجميع الأسلحة النووية في مراحلها الأولى.

وفي عام 1979، وقعت حادثة نووية غامضة هزّت العالم تُعرف باسم حادثة فيلا (Vela Incident)، والتي يُعتقد أنها كانت في الواقع تجربة نووية إسرائيلية أُجريت بالتعاون مع جنوب إفريقيا، التي كان نظام الفصل العنصري فيها يسعى بدوره إلى امتلاك سلاح نووي.

في 22 سبتمبر، قبيل شروق الشمس بقليل، رصد قمر صناعي أمريكي يُدعى Vela 6911 وميضا مزدوجا خلال مروره فوق جنوب المحيط الأطلسي. وفي قاعدة "باتريك" بفلوريدا، حيث كانت لا تزال ليلا، أدرك الفريق المسؤول أن ما شاهده كان انفجارا نوويا، وهو نمط رصده الأمريكيون عدة مرات سابقا. الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر دعا فورا إلى اجتماع عاجل في غرفة العمليات بالبيت الأبيض في اليوم التالي، وكتب في مذكراته:

> "هناك مؤشرات على تجربة نووية في منطقة جنوب إفريقيا — إما جنوب إفريقيا نفسها، أو إسرائيل باستخدام سفينة في البحر، أو لا شيء."

وفي عام 2019، أي بعد 40 عاما على الحادثة، نشر مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) تحقيقا شاملا خلص إلى نتيجة واحدة: فقط إسرائيل كانت قادرة على تنفيذ تلك التجربة النووية.
شارك في التحقيق علماء، وأكاديميون، ومسؤولون حكوميون سابقون، وخبراء في منع انتشار الأسلحة النووية، وقاموا بتحليل وثائق وبيانات أُفرج عنها بعد أن كانت سرّية. وخلصوا إلى أن إدارة كارتر، التي كانت تسعى وقتها لإعادة انتخابه ولاتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، حاولت التستر على ما أصبح واضحا الآن بأنه كان تجربة نووية حقيقية.

فعلى سبيل المثال، أصدر فريق الخبراء الذي عيّنه المستشار العلمي للرئيس آنذاك تقريره النهائي في مايو 1980 بعد ثلاث جلسات فقط، قال فيه:
> "وفق تقييمنا، من المرجح أن هذا لم يكن اختبارا نوويا."

لكن أعضاء اللجنة — بحسب التقرير — تجاهلوا كل الأدلة التي أشارت إلى العكس، بما في ذلك تحليل مختبر الأبحاث البحرية الأمريكي الذي حدد موقع الانفجار قرب جزر الأمير إدوارد، على بعد 1,600 كيلومتر من الساحل الجنوبي لجنوب إفريقيا، استنادا إلى بيانات هيدروصوتية (صوتية تحت الماء)، وكذلك اكتشاف مواد مشعة في أغنام بأستراليا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025