معاريف
بكلفة 5 مليارات دولار: السعودية تدخل سباق الذكاء الاصطناعي
تستثمر المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات في إنشاء مراكز بيانات ضخمة لتطوير الذكاء الاصطناعي، بهدف أن تصبح قوة تكنولوجية عالمية. ووفقًا لتقرير في صحيفة نيويورك تايمز، فإن المملكة تجري بالفعل اتصالات مع عمالقة التكنولوجيا مثل OpenAI وأمازون.
في شمال غرب السعودية، ليس بعيدًا عن سواحل البحر الأحمر، يُقام في هذه الأيام مركز بيانات طموح بتكلفة تقدر بنحو خمسة مليارات دولار، مخصص لتوفير قدرة حوسبة هائلة لتطوير الذكاء الاصطناعي لمبرمجين في أوروبا وما بعدها. وعلى الساحل الشرقي للمملكة، يُخطط لمجمع آخر باستثمارات بمليارات الدولارات أيضًا، ليخدم مطوري الذكاء الاصطناعي في آسيا وأفريقيا.
على مدى أجيال، كانت السعودية تُصدر النفط. أما الآن، فهي تسعى لتصدير أحد أكثر الموارد قيمة في العصر الرقمي: قوة الحوسبة.
ووفقًا للتقرير في نيويورك تايمز، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستغل فرصة تاريخية لتحويل ثروة بلاده النفطية إلى نفوذ تكنولوجي عالمي. فقلائل من الدول يمكن أن تضاهي المملكة من حيث الطاقة الرخيصة، والموارد المالية الهائلة، والمساحات الشاسعة، وهي العناصر الأساسية التي تحتاجها شركات التكنولوجيا لإنشاء وتشغيل مراكز البيانات الضخمة والمرتفعة الاستهلاك للطاقة التي تشغل الذكاء الاصطناعي الحديث.
وتضع هذه الخطوات طموحات الذكاء الاصطناعي السعودية في قلب الصراع الجيوسياسي على الهيمنة التكنولوجية.
ووفقًا لمسؤولين سعوديين، فإن المملكة تجري مفاوضات مع شركات تكنولوجيا أمريكية كبرى لاستخدام مراكز بياناتها المستقبلية وتعزيز علاقاتها معها. كما شارك كبار المسؤولين من شركات مثل OpenAI وغوغل وكوالكوم وإنتل وأوراكل في مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي السنوي الذي تنظمه السعودية، والذي يُعرف باسم "دافوس في الصحراء". ومن المتوقع أن يقوم ولي العهد بن سلمان بزيارة إلى الولايات المتحدة الشهر المقبل.
ومن بين الصفقات المحتملة التي يتم بحثها، هناك صفقة قد توفر قدرات حوسبة لشركة xAI التابعة لإيلون ماسك، وفق ما صرح به سعيد الدبّاس، وهو مسؤول في شركة Humain (هومين)، وهي شركة جديدة مملوكة للدولة تنسق العديد من مشاريع الذكاء الاصطناعي.
وقال الدبّاس في مقابلة هذا الشهر: "أمازون كانت هنا أمس، ومايكروسوفت كانت معنا هذا الصباح"، مضيفًا أن المفاوضات مع ماسك تتعلق بـ"خطة أكبر بكثير".
أسس ولي العهد شركة Humain في شهر مايو، ويطمح لأن تتولى معالجة نحو 6% من حجم العمل العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة. ووفقًا لمجموعة الأبحاث Synergy Research Group، التي تحلل صناعة مراكز البيانات، فإن هذه الخطوة قد تحول السعودية — التي تعالج حاليًا أقل من 1% من العبء العالمي — من لاعب هامشي إلى لاعب مركزي، ثاني أكبر مزود لقوة الحوسبة بعد الولايات المتحدة والصين.
تبني المملكة ثلاثة مجمعات رئيسية لمراكز بيانات مخصصة للشركات الأجنبية، ويقول المسؤولون السعوديون إنها ستوفر تكاليف تشغيل أقل بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالولايات المتحدة. كما يتم إصدار تصاريح البناء في غضون أسابيع، وستربط شبكات من الكابلات البحرية والألياف البصرية نحو أربعة مليارات إنسان في ثلاث قارات بهذه المراكز.
وللتغلب على المخاوف الأمنية في الدولة ذات النظام السلطوي، تدرس السعودية إنشاء ما يسمى "مناطق سفارات بيانات"، تتيح للشركات الأجنبية العمل وفق قوانين بلدانها بدلاً من القانون السعودي.
وقالت شركة أمازون إنها تعمل مع Humain "لتسريع رؤية السعودية في أن تصبح رائدة عالمية في الذكاء الاصطناعي". ورفضت مايكروسوفت التعليق، بينما xAI لم ترد على طلبات التعليق.
ورغم الطموحات الكبيرة، يشكك كثيرون في قدرة السعودية على تحقيقها. إذ تمتلك المملكة مخزونًا محدودًا من الخبرات في مجال الذكاء الاصطناعي. ويحذر بعض الخبراء من خطر التخمة العالمية في قدرات الحوسبة، إذ تندفع الحكومات والشركات لبناء مراكز بيانات بوتيرة أسرع من قدرتها على تحقيق أرباح منها.
وقال جون دينسديل، المحلل البارز في Synergy Research Group: "لا يمكن أبدًا القول 'مستحيل'، لكنني لا أستطيع تخيل أي ظروف تمكّن السعودية من الوصول إلى 6% من قدرة الحوسبة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي".
ولا يتوقف الأمر عند قدرة السعودية على تحويل اقتصادها بعيدًا عن النفط. فولي العهد بن سلمان يريد أن يستخدم الذكاء الاصطناعي ليمنح بلاده التأثير نفسه الذي تمتعت به سابقًا بفضل النفط.
وقال فيوك تشيلوكوري، زميل أول في مركز الأمن الأمريكي الجديد: "من السهل القول إن هذه مجرد محاولة أخرى من السعوديين لإنفاق الأموال على الموضة التقنية الأخيرة، لكن هذا قد يقلل من شأن طموحهم". وأضاف: "لن يحققوا كل أهدافهم، لكنهم قد يحققون أكثر مما يتوقعه كثير من منتقديهم".