جدعون ليفي
صحيفة هآرتس
ترجمة حضارات
لم يكن لدينا شيء من هذا النوع قط، ولن يكون، مرشح يأتي من العدم، ليس جنرالاً سابقاً ولا نجم تلفزيون، ليس ابن نخب ولا صاحب امتيازات، وليس ناشطاً حزبياً من أي نوع، شاب صغير السن، خلفيته سيرة مهاجر غريب كان مغموراً حتى الأمس القريب، آراؤه حاسمة وراديكالية، لا يخاف من قول ما يفكر به ولا يتردد في التفكير بما يقوله، لا يسأل استطلاعات الرأي، ولا ينصت لنصائح “التخفيف”، يندفع إلى الأمام مع الحقيقة التي يؤمن بها وينتصر.
ينتصر على المؤسسة، وعلى المرشح الآخر ابن السلالة السياسية، لم يكن لدينا شيء كهذا من قبل، لم يكن لدينا زهران ممداني، وإذا استمرت السياسة الإسرائيلية في الغرق في مستنقع الركود، حيث لا يغادر بنيامين نتنياهو، ولا مغلوبوه الذين يرفضون مغادرة حياتنا، فلن يكون لدينا ممداني أبداً. هذا يبعث على اليأس.
لفهم مدى عمق الثورة التي أحدثها ممداني، الذي انتُخب أمس لرئاسة أهم مدينة في العالم، يمكن تخيل مرشح عربي أو مهاجر إفريقي يفوز هنا بالانتخابات، أو تخيل سياسي يساري راديكالي يفوز برئاسة الحكومة، أو تخيل كاتب “هيب هوب” مثل “مستر كاردامون”، الاسم الفني لممداني، يتحول بين ليلة وضحاها إلى قائد.
في بضعة أشهر فقط أشعل ممداني المدينة وجذب شبابها الذين لم تكن السياسة تهمهم إطلاقاً، انتُخب في مدينة تضم أكبر جالية يهودية في العالم، رغم محاولاتهم إلصاق تهمة “معاداة السامية” به زوراً، انتُخب في واحدة من أكثر المدن الرأسمالية في العالم على أساس برنامج اشتراكي صريح، بلا أي تلعثم، أميركا أثبتت مجدداً أنها أرض الفرص اللامحدودة. ممداني ربما يجعلها عظيمة مرة أخرى، أكثر بكثير من دونالد ترامب.
من الممكن أن يفشل فشلاً ذريعاً، المؤسسة القديمة قد تفعل كل شيء لتصفيته، كما فعلت بريطانيا مع جيريمي كوربن من حزب العمال، الذي كان أملاً كبيراً للتغيير قبل أن يُقضى عليه، من الممكن أيضاً أن وعوده مستحيلة التنفيذ، رغم سحرها وقدرتها على خلق عدالة ومساواة في مدينته وخارجها، وربما لا يمتلك القدرات القيادية والتنفيذية التي يمتلكها في الوعد والإلهام، لكن مجرد انتخابه أحدث بالفعل تغييراً هائلاً. ضخ الأمل بشيء مختلف، وأتى بنسمة منعشة لم تعد موجودة منذ زمن في إسرائيل، هذا يدعو إلى الغيرة من سكان نيويورك.
العام القادم سنذهب إلى انتخابات “هي الأهم”، ولا يوجد شخصية واحدة يمكن الحماس لها أو التطلع لانتصارها. لا يوجد شخص واحد يمكن الوثوق به، يقترح إعادة تشغيل للنظام وثورة حقيقية، فقط المزيد من الشيء نفسه: “كل الاحترام للجيش”، “الدولة الفلسطينية ليست الآن”، و“استمرار التفوق اليهودي إلى الأبد”، هذا كله في دولة تحتاج إلى إعادة تشغيل أكثر من أي دولة أخرى في العالم. هنا لدينا المزيد من الشيء نفسه: الزعيم الأبدي، المتنافسون المحروقون على العرش، الشعارات الفارغة، الفساد، الخواء، واليأس.
ممداني إسرائيلي مطلوب الآن كما يُطلب جهاز تنفس لمختنق. عندما لا يجرؤ أحد على طرح شيء مختلف، طريق جديدة لم تُجرب، رؤية لم تُختبر، والدولة والمجتمع عالقان في الوحل، نحن بحاجة إلى ممداني.
ربما لهذا بدأت آلات التحريض والتخويف ضده تعمل بالفعل في إسرائيل؛ يكاد لا يوجد محلل تلفزيوني واحد لم يرهب الجمهور منه. فهو قال إن إسرائيل قتلت أطفالاً في غزة، وارتكبت إبادة جماعية. لذا فهو “معادٍ للسامية” بشهادة رسمية. وهو أيضاً ضد الإسلاموفوبيا، مما يعني أنه “إسلامي”، “داعشي في نيويورك”.
ليته ينجح في تحقيق ولو جزء من وعوده الهائلة، ليته يفلح أيضاً في تحطيم الحملة العالمية ضد التيار التقدمي، وليته يرعى المقهورين في نيويورك، فحتى المقهورين في دولة "إسرائيل" يستحقون ممداني.