اتفاقية الاستسلام التي يحاول ترامب فرضها على زيلينسكي تضعه أمام خيار مصيري

كسينيا سفيتلوفا

صحيفة هآرتس

ترجمة حضارات

"أيها الأوكرانيون! تأتي في حياة كل أمة لحظة يجب فيها على الجميع أن يتحدثوا عما هو مهم"، توجّه رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في خطاب إلى مواطنيه، بعد أن سرّبت روسيا "خطة السلام" الجديدة لإنهاء الحرب إلى موقع أكسيوس، "ها هي تأتي الآن واحدة من أصعب اللحظات في تاريخنا. 

أوكرانيا خاضعة الآن لأشدّ ضغطٍ حتى اليوم، وقد تجد نفسها أمام خيار بالغ الصعوبة: أن نفقد كرامتنا أو نخاطر بفقدان شريك أساسي، إما خطة النقاط الثماني والعشرين الصعبة، أو شتاء بالغ القسوة الأقسى حتى الآن، وما يحمله من أخطار، حياة بلا حرية، بلا كرامة، بلا عدالة، سيتوقعون جوابًا منا، لكن الحقيقة أنني قد أعطيت هذا الجواب بالفعل، لقد أقسمت أن أحمي سيادة بلادي ولن أخونها أبدًا".

الخطة الجديدة صيغت، بحسب التقارير، من قبل مبعوث ترامب ستيف فيتكوف وكيريل دميترييف، المقرّب من بوتين ورئيس صندوق الاستثمار الروسي بعض المصادر في الإعلام الأميركي أشارت إلى أن جاريد كوشنر ووزير الخارجية ماركو روبيو شاركا فيها أيضًا، مع ذلك، روبيو نفسه تحفّظ عن الخطة في تغريدة نشرها يوم الأربعاء، ووزارة الخارجية تجاهلت أسئلة الصحافيين، مسؤولون في الإدارة ادّعوا أنهم لم يكونوا على علم بالخطة أصلًا إلا بعد نشرها في أكسيوس.

ما يثير الاهتمام أكثر هو أن هذه الخطة لم تسبقها تصريحات ولا خطوات كانت لتُنذر بالعاصفة المقبلة، في الأسبوع الماضي قال روبيو في اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة السبع: إن "روسيا لا تريد السلام على الإطلاق، وأوكرانيا لا يمكنها التنازل عمّا تبقّى من حوض دونباس (شرق البلاد)"، غير أن بعض البنود في الخطة، كما نُشرت في وسائل الإعلام، تشير بوضوح إلى أن على أوكرانيا أن تتنازل أيضًا عن مناطق دونباس وشبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا، وكذلك عن مناطق أخرى بقيت تحت سيطرة كييف.

رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في البيت الأبيض أمس، يحتاج إلى انتصار سريع، لكن من المشكوك فيه أن يُعتَبَر اتفاق يوجّه ضربة قاسية لكييف ولصورة الولايات المتحدة إنجازًا.

إضافة إلى ذلك، قبيل نشر الخطة مباشرة، صادقت الولايات المتحدة على بيع محتمل لصواريخ باتريوت لكييف بقيمة 105 ملايين دولار، إلى جانب ذلك تعهّدت الدول الإسكندنافية ودول البلطيق بالتبرّع بـ500 مليون دولار لآلية تابعة لحلف الناتو، تشتري أوروبا من خلالها سلاحًا أميركيًا وتمنحه لأوكرانيا، فيما تبرّعت بولندا بمئة مليون دولار إضافية؛ ما يعزّز الافتراض أن الولايات المتحدة أعطت موافقتها على هذه الخطوة.

يبدو أنه في البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية لم يكونوا حقًا على علم بخطة السلام الجديدة والإشكالية، التي ما كان يمكن أن تكون أكثر وُدّية لروسيا حتى لو أن رئيسها فلاديمير بوتين كتبها بنفسه. وزير الجيش الأميركي، دان دريسكول، الذي قدّم إحاطة أول أمس لسفراء دول الناتو في لقاء في كييف، أقرّ بأن "لا وجود لاتفاق كامل".

لكن إذا كان الاتفاق الحقيقي يطابق ما نُشر عنه، فهو لا يقتصر على أنه غير كامل، بل هو اتفاق استسلام يمنح روسيا كل ما أرادته: تقليص الجيش الأوكراني، حظر نشر قوات أجنبية على أراضي أوكرانيا، مكانة خاصة للكنيسة الروسية واللغة الروسية في أوكرانيا، رفع العقوبات الدولية عن روسيا، وضمانات مبهمة لأمن أوكرانيا، إذا كان أحدٌ ما في الجانب الأميركي قد تبنّى بالفعل هذه البنود، فإن هذا يشير بوضوح إلى انعدام فهم للقضية وللظروف التي قادت إلى الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2014، وإلى الغزو الواسع بعد ثماني سنوات من ذلك.

حتى الآن، مَن وقف في طريق ترامب كان بوتين، الذي أرسل إلى محادثات السلام ممثلين من الدرجة الثانية أو طرح شروطًا قصوى، يبدو الآن أن الرئيس الروسي تعلّم كيف يقلب الاتجاه: زيلينسكي هو الذي سيضطر إلى أن يقول "لا"، أو "نعم، ولكن" لرئيس الولايات المتحدة.

السؤال الأول هو ما إذا كان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، المعروف بتسرّعه، سيغيّر رأيه مرة أخرى. في نهاية المطاف هو سبق أن هدّد زيلينسكي في الماضي وأوقف التعاون بين البلدين في المجال الاستخباراتي، ثم وافق لاحقًا على تزويد أوكرانيا بالسلاح بشرط أن يدفع الأوروبيون ثمنه. من جهة، ومع تراجع شعبيته، وقضية إبشتاين التي تلاحقه، وعجزه عن ليّ ذراع وليّ العهد السعودي في ما يخصّ التطبيع مع إسرائيل، ترامب بحاجة ماسّة إلى انتصار سريع، من جهة أخرى، من المشكوك فيه أن يُعتبَر انتصارًا حقيقيًا اتفاقٌ من نوع انتصار بيروس كهذا، يوجّه ضربة قاصمة لأوكرانيا، ولأوروبا، ولصورة الولايات المتحدة نفسها.

أمام زيلينسكي أيضًا يقف خيار: هل يستطيع أن يرفض ترامب ويواصل الحرب، حتى لو أوقف رئيس الولايات المتحدة مرة أخرى التعاون الاستخباراتي؟ قبل كل شيء، يمكن للرئيس الأوكراني هو أيضًا، أن يلعب اللعبة ذاتها التي يلعبها بوتين وأن يقول لترامب "نعم، ولكن"، ثم يوافق على بعض البنود ويرفض بشدة أخرى، مثل البنود المتعلقة بتقليص الجيش ونشر قوات أجنبية، من المحتمل جدًا أن يحاول القادة الأوروبيون خلال الأسبوع المقبل إقناع ترامب بتغيير بعض بنود الخطة أو التخلي عنها كليًا، إضافة إلى ذلك، ورغم أن لأوكرانيا أصدقاء قلائل في الإدارة الأميركية الحالية، فمن المحتمل جدًا أن شخصية مثل السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام، ستتولّى عرض الأخطار العديدة الكامنة في هذه الخطة أمام رئيس الولايات المتحدة.

رئيس روسيا فلاديمير بوتين في موسكو أول أمس. لمح إلى أنه لم يتلقَّ تفاصيل الخطة من ترامب.

حتى لو استسلمت أوكرانيا، فلن يُشبَع النهم الروسي، هناك احتمال كبير في أن يزداد أكثر بعدُ في أعقاب هذا المقترح، ولذلك سيتعيّن على الأوروبيين أن يدافعوا مرة أخرى وببسالة عن أوكرانيا في وجه ترامب، لأن إنهاء الحرب يتعلق أولًا وأساسًا بأمن أوروبا، بوتين كان قد تطرّق بالفعل إلى خطة فيتكوف–دميترييف، وأعلن أنها "يمكن أن تكون أساسًا لتسوية سلام مستقبلية"، بعد ذلك مباشرة اتّهم أوكرانيا بأنها تواصل رفض مبادرات السلام المختلفة، رغم أن زيلينسكي وافق في الواقع، في عدة مناسبات مختلفة، على مبادرات السلام التي طرحها ترامب، في حين أن روسيا هي التي رفضتها. في الخطاب نفسه أول أمس قال بوتين أيضًا: إن "أحدًا لم يتوجّه إلينا رسميًا بهذه الخطة"، ولمّح بذلك إلى أنه لم يتلقَّ تفاصيلها من ترامب.

يحاول ترامب منذ أن عاد إلى الحكم للمرة الثانية قبل نحو سنة أن يضع حدًا للحرب في أوكرانيا، من جملة أمور أخرى لأنها تعرقل رؤيته الاقتصادية والمالية. حتى الآن من وقف في طريقه كان بوتين، الذي أرسل إلى محادثات السلام ممثلين من الدرجة الثانية أو طرح في خطاباته (مثل خطابه في ألاسكا) مطالب قصوى، الآن يبدو أن الرئيس الروسي تعلّم كيف يقلب الاتجاه: زيلينسكي هو الذي سيُضطر إلى أن يقول "لا" أو "نعم، ولكن" لترامب، إذا واصل الإصرار على تنفيذ هذه الخطة الخبيثة، إذا ما جرى ليّ ذراع الرئيس الأوكراني فلن ينبت أي سلام من ذلك، تمامًا كما لم ينبت أي سلام من اتفاق مولوتوف–ريبنتروب. يقف زيلينسكي على أعتاب أسبوع حاسم آخر؛ ولا يزال أمامه أسابيع كثيرة كهذه حتى نهاية ولاية ترامب.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025