موقع N12
ترجمة حضارات
الكاتب: أساف روزنتسويغ
تشهد روسيا في الأشهر الأخيرة أزمة وقود خانقة بدأت تؤثر مباشرة في حياة المواطنين واقتصاد البلاد. فقد كثّفت أوكرانيا من هجماتها ضد منشآت النفط الروسية، بما في ذلك أهداف تبعد مئات بل آلاف الكيلومترات عن الحدود، ما أدّى إلى أزمة غير مسبوقة في إمدادات الوقود، وإلى ارتفاع الأسعار وإغلاق محطات وتكوّن طوابير ضخمة للتزود بالبنزين.
وفق تحليل نشره BBC، تضررت منذ بداية العام 21 من أصل 38 مصفاة رئيسية في روسيا بهجمات بطائرات مسيّرة، بزيادة 48٪ عن عام 2024 بأكمله، وبلغت ذروتها في شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر.
في الوقت نفسه، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وافق على تزويد كييف بمعلومات استخبارية تساعدها في ضرب منشآت الطاقة داخل العمق الروسي. كما يدرس البيت الأبيض تزويد أوكرانيا بصواريخ "توماهوك" وأسلحة بعيدة المدى، في خطوة قد تشكّل تصعيداً خطيراً مع موسكو.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أوضح أن "أكثر العقوبات فاعلية هي الحرائق في مصافي النفط الروسية"، مؤكداً أن هذا الضغط يهدف إلى تقليص القدرة القتالية الروسية.
الهجمات الأوكرانية باتت تصيب أهدافاً بعيدة جداً عن الجبهة، مثل منشأة شركة غازبروم في مدينة سلابات بمنطقة بشكيرية (على بعد 1100 كلم من الحدود)، وكذلك المصفاة الكبرى قرب موسكو في ريازان التي تعالج 340 ألف برميل يومياً وتعرضت لخمس هجمات هذا العام.
آثار ملموسة داخل روسيا
أزمة الوقود انعكست على حياة المواطنين. تقارير موثوقة من BBC وصحف روسية تشير إلى طوابير طويلة في محطات البنزين شرق البلاد، وعلى الطرق بين موسكو وسانت بطرسبورغ، وحتى في شبه جزيرة القرم. بعض المحطات أغلقت مؤقتاً لعجزها عن شراء الوقود.
في نوفوسيبيرسك وصف مدير إحدى المحطات الوضع بأنه "أخطر أزمة منذ تسعينيات القرن الماضي".
بحسب صحيفة كومرسانت الروسية، يعاني السوق المحلي من عجز بنحو 20٪ من استهلاك البنزين الشهري، أي ما يقارب 400 ألف طن من أصل مليوني طن، فيما توقفت واحدة من كل خمسين محطة عن البيع كلياً.
حلول محدودة
بدأت موسكو باستيراد البنزين من بيلاروسيا، حيث ارتفع الاستيراد بنسبة 36٪ عن العام الماضي، وبـ168٪ مقارنة بشهر آب/أغسطس، لكنها كميات لا تكفي. الحكومة تدرس أيضاً إلغاء الرسوم على واردات الوقود من الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، بل تفكر باستخدام مواد كيميائية محظورة سابقاً مثل "مونو ميثيل أنيلين" لتسريع الإنتاج.
في المقابل، فُرض حظر على تصدير البنزين والديزل حتى نهاية 2025، وفرضت في القرم قيود صارمة تسمح لكل شخص بشراء 20 لتراً فقط. ومع ذلك، تصر موسكو رسمياً على أنه "لا توجد أزمة".
تأثير مالي خطير
تقدّر وكالة الطاقة الروسية أن 40٪ من طاقة التكرير في البلاد متوقفة حالياً، منها 70٪ بسبب الهجمات الأوكرانية. إنتاج البنزين المحلي تراجع بأكثر من 10٪، والأسعار ارتفعت بوتيرة تفوق معدل التضخم العام.
يُتوقع أن يسجل عجز الميزانية الروسية لعام 2025 نحو 2.6٪ من الناتج المحلي، مقارنة بتقدير سابق يبلغ 1.7٪.
تقلّصت عائدات الدولة من النفط والغاز بفعل انخفاض الأسعار والعقوبات، ما دفع الحكومة إلى رفع الضرائب وإلغاء إعفاءات عن الشركات الصغيرة، وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 20٪ إلى 22٪ لتوفير نحو 14 مليار دولار سنوياً من جيوب المواطنين.
ورغم العجز، لا تزال ميزانية الدفاع الروسية ضخمة؛ فالإنفاق العسكري يفوق بمقدار 50٪ مجمل الإنفاق على الصحة والتعليم والثقافة والرياضة. الجيش مستمر في تقديم مكافآت سخية لتجنيد المقاتلين، رغم الصعوبة المتزايدة في الحفاظ على القوى البشرية.
خلاصة
يصف الاقتصادي فياتشسلاف شيرياييف الوضع قائلاً: "البنزين هو دم الاقتصاد. إن لم تملك وقوداً، فلن تستطيع تحريك شيء – لا الاقتصاد ولا الحرب".
أما الخبيرة الروسية ألكسندرا بروكوبينكو، المستشارة السابقة في البنك المركزي، فقالت: "روسيا مثل مفترس جريح يعيش على نظام قاسٍ من التقشف. لا يزال قوياً، لكنه يتحرك ببطء، ويقتات من ضرائب مواطنيه".
الاستراتيجية الأوكرانية لا تُسقط روسيا سريعاً، لكنها تُنهكها ببطء عبر ضرب شرايين اقتصادها – محطات الوقود – وتزيد العبء على الشعب، ما قد يؤدي لاحقاً إلى تصاعد الغضب الداخلي ضد الكرملين.