شي جين بينغ، مودي، وبوتين: ملامح الجيوسياسة الجديدة

مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية

ترجمة حضارات 


بقلم مايكل فرومان 

خلال عطلة نهاية الأسبوع، استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعًا على مستوى القادة لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) — وهو ملتقى يضم مجموعة من القادة المستبدين ومن يسعون إلى استمالتهم.

ومنذ تأسيسها في عام 2001، لم تكن منظمة شنغهاي للتعاون كيانًا ذا تأثير كبير. فهي، على غرار مجموعة "البريكس"، غالبًا ما تبدو اجتماعاتها أشبه بصالونات كبرى لمحور الساخطين، يحققون من خلالها تقدمًا رمزيًا في تقويض ركائز النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن هذا العام بدا مختلفًا: إذ ظهر الاجتماع وكأنه يمثل خطوة كبرى إلى الأمام في مساعي الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستمالة الهند ورئيس وزرائها ناريندرا مودي — وهو مكسب رمزي، إن لم يكن جوهريًا، أصبح أكثر إثارة للانتباه لكونهم مدينين للولايات المتحدة بالفضل في القيام بالجزء الأكبر من العمل.

بدأت الأزمة في شهر حزيران/يونيو، حين أعلن الرئيس دونالد ترامب، علنًا وفي مكالمة هاتفية مباشرة مع مودي، أنه شخصيًا توسط للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين نيودلهي وإسلام آباد. لطالما رفضت الهند أي فكرة تتعلق بالوساطة الخارجية مع جارتها، ولم يُقدم مودي حتى الآن على ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، على خلاف نظيره الباكستاني. ثم فرض ترامب رسومًا جمركية عقابية ثانوية بنسبة 50 في المئة على الهند (وعلى الهند وحدها) كعقوبة على استمرارها في استيراد النفط الروسي—رغم أن الصين وتركيا ودولًا أخرى اشترت كميات كبيرة من النفط ذاته من الشركات الروسية. ومن الواضح أن الرئيس انزعج على نحو خاص من أن الصين، في حين زادت وارداتها من النفط الروسي لاستهلاكها الداخلي، كانت الهند تعيد بيع المنتجات النفطية الروسية المكررة إلى أوروبا وأماكن أخرى محققة أرباحًا وفيرة.

أدت هذه الإجراءات إلى دخول العلاقات الأميركية–الهندية في حالة سقوط حر دبلوماسي. وبلغت ذروتها نهاية الأسبوع الماضي على البساط الأحمر في تيانجين، حيث سار شي ومودي وبوتين معًا، وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض بشكل غير مريح، مبتسمين أمام الكاميرات. وفي هامش القمة، ذهب شي إلى حد التصريح بأن الوقت قد حان لـ"يرقص التنين والفيل معًا".

إن تقارب مودي الناشئ مع شي وتحسّن علاقاته مع الصين يتعارض بشكل مباشر مع جهدٍ استراتيجي امتد لعقود، وشمل خمس إدارات أمريكية متعاقبة، هدفه استمالة الهند كشريك طويل الأمد يمكن للولايات المتحدة أن تعمل معه لموازنة القدرة الصناعية الهائلة للصين، وتفوّقها التكنولوجي، وإمكاناتها العسكرية المتزايدة.

لقد كانت العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والهند واحدة من قلة قليلة من توجهات السياسة الخارجية الثنائية الحزبية المستمرة خلال العقود الثلاثة الماضية. ما زلت أتذكر الصدمة في عام 2008 عندما وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ الاتفاقية النووية المدنية بين الولايات المتحدة والهند، والتي مثّلت نقطة تحول عبر فصل المنشآت النووية المدنية والعسكرية في الهند، وضمان امتثالها لقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والأهم من ذلك، فتح الباب أمام التعاون النووي المدني بين القوتين.

وفي السنوات الأخيرة، طوّرت الولايات المتحدة شراكات قوية مع الهند في مجالي الدفاع والتكنولوجيا، لا سيما في الذكاء الاصطناعي وقطاع الطيران والفضاء، بما في ذلك مبادرة الولايات المتحدة-الهند للتكنولوجيا الحرجة والناشئة (i-CET)، ومنظومة تسريع التعاون الدفاعي بين الهند والولايات المتحدة (INDUS-X).

وعلى رأس هذا الاصطفاف الاستراتيجي تقف "الحوار الأمني الرباعي"، المعروف اختصارًا بـ The Quad، وهو تحالف يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، انتقل من مجرد مشاورات هادئة إلى مناورات بحرية مشتركة، وتبادل للمعلومات الاستخباراتية، وتنسيق في مجال التقنيات الناشئة، وكل ذلك بهدف موازنة التهديد الصيني المتصاعد لحرية وانفتاح منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وكما كتب نائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كورت م. كامبل، ومستشار الأمن القومي السابق جيك سوليفان في مقال جديد بمجلة Foreign Affairs، فإن العلاقة الأمريكية-الهندية "كانت واحدة من أبرز نقاط الإجماع الثنائي في واشنطن المنقسمة، حيث ندر وجود غايات دولية مشتركة ومتماسكة".

من المرجح أن تفقد هذه المبادرات زخمها الآن، وأن تكون كلفة الثقة في العلاقة باهظة للغاية. فالهند بلد يعتز بنفسه، وترامب رئيس شديد الاعتداد بذاته. وهذه ليست تركيبة مثالية. وكما كتب ترامب هذا الصباح: "يبدو أننا خسرنا الهند وروسيا لصالح الصين المظلمة والأعمق. نتمنى لهم مستقبلًا طويلًا ومزدهرًا معًا!". ومع أن هذا يمثل بالتأكيد انتكاسة، إلا أنه قد لا يشكل تحولًا جيواستراتيجيًا دائمًا وعميقًا. فالمصالح الوطنية الجوهرية لكل دولة لا تزال على حالها.

أولًا، لا ينبغي المبالغة في تقدير مدى عمق واتساع الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة والهند. فما هو مهدد هنا هو الإمكانات، والتقدم، والاتجاه المستقبلي للعلاقة أكثر مما هو الوضع الراهن. فهي لم تكن يومًا تحالفًا عسكريًا. وكثيرون منا فوجئوا وكانوا متشككين حين تحدث مسؤولو إدارة ترامب علنًا قبل أشهر قليلة عن قرب التوصل إلى اتفاق تجاري كبير، بالنظر إلى النزعة الحمائية التاريخية للهند وعراقيلها التجارية المستمرة.

في المقابل، فإن تقارب مودي مع الصين لا يعد بأي حال بديلًا مكافئًا لإمكانات الشراكة الاستراتيجية الأميركية–الهندية. فالعلاقات بين الهند والصين مثقلة بعدد من المشكلات التاريخية المستعصية التي تتجاوز مظاهر الود على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون: الخلاف الممتد عبر الأجيال حول الدالاي لاما، والعداء المتجدد عقب الاشتباكات الحدودية الدموية في وادي غالوان، والمرارة المستمرة منذ حرب الحدود عام 1962. ولا توجد رحلات جوية مباشرة حاليًا بين الهند والصين (رغم أنها قد تُستأنف قريبًا)؛ كما حظرت حكومة مودي أكثر التطبيقات الصينية شعبية، بما فيها "تيك توك"، إلى جانب الشركات الصينية الرائدة في مجال الاتصالات مثل "هواوي" و"زد تي إي". وتُعد الهند من أكثر الدول تقاربًا مع الموقف الأميركي المتوجس من الواردات الصينية؛ فهي تخشى أن يؤدي الإغراق الصيني إلى إضعاف قدراتها التصنيعية الناشئة. وبعيدًا عن المناوشات الحدودية والتوترات الاقتصادية وسوابق الغدر التاريخي، تدرك نيودلهي أن الاستراتيجية الاقتصادية الكبرى لبكين القائمة على النمو المدفوع بالتصدير، وعلاقتها الوثيقة مع إسلام آباد، ومساعيها لتحقيق التفوق العسكري في منطقة المحيطين الهندي–الهادئ، كلها لا تبشر بخير لأمن وازدهار أكثر من 1.4 مليار هندي.

إلى أين من هنا؟

الهند ليست غريبة عن محاولات استمالتها – أو استقطابها – من قبل القوى العظمى المتنافسة. ففي الحرب الباردة، تبنت موقع الريادة في حركة عدم الانحياز، ليس فقط بدافع الحياد، وإنما كوسيلة للضغط. وكما أعلن رئيس الوزراء الأسبق جواهر لال نهرو: "نقترح، قدر الإمكان، أن نبقى بعيدين عن سياسات القوى المتناحرة التي قادت في الماضي إلى حروب عالمية، وقد تقود مجددًا إلى كوارث أشد اتساعًا."وبهذه الكلمات، أعلنت الهند التزامها بسياسة التعددية الجيوسياسية وحافظت بعناية على حرية حركتها، حتى في ظل سعي موسكو وواشنطن لكسب نفوذها. وللأغلب، فقد نجحت عقيدة نهرو. إذ تحررت الهند من قيود نظام منع الانتشار النووي، وتجنبت التورط في صراعات باهظة، وحافظت بمهارة على توازن بين الاتحاد السوفيتي السابق والصين والولايات المتحدة لما يقارب نصف قرن. ولا تزال مشاعر عدم الانحياز حاضرة بقوة كإطار سياسي في نيودلهي، وقد يسهم ترامب في ترسيخ عودتها. وعلينا أن نتذكر أن العقود الثلاثة الماضية من دفء العلاقات الأميركية–الهندية كانت خروجًا استثنائيًا عن استراتيجية الهند الأكثر تحفظًا خلال معظم الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية.

وكما صرح وزير الخارجية الهندي س. جايشانكار لصحيفة فايننشال تايمز في وقت سابق هذا العام: "أعتقد أن مزايا النظام القديم قد جرى تضخيمها إلى حد ما… فالهند تريد شيئًا أكثر من مجرد تطور تدريجي، بل شيئًا مريحًا ومستقرًا. لكنه يجب أن يعكس العالم كما هو الآن، لا كما كان بعد عام 1945 حين كانت القواعد منحازة لصالح الغرب."ومع ذلك، فإن آليات مثل منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومجموعة بريكس (BRICS) تفتقر إلى الفعالية والتوافق الواسع الذي يسمح لها ببناء نظام متعدد الأقطاب بحق أو إحداث خلل جوهري في النظام القائم. فالمظاهر الودية في تيانجين نادرًا ما تمتد إلى مستوى التعاون الوظيفي الذي يميز المنظمات الدولية الأكثر فاعلية، مثل حلف الناتو.

ومع أفول اللحظة الأحادية القطبية، فإن توازن الهند بين الصين وروسيا والولايات المتحدة يقدّم نافذة مثيرة للاهتمام لفهم ديناميات النظام القادم. فالمفاهيم الثنائية والمتعددة الأقطاب التي يُتنبأ بها غالبًا لا تعكس تمامًا تعقيد المشهد الجيوسياسي الحالي وتقلباته. إذ تمتلك القوى الصاعدة والوسطى، بما فيها الهند والدول الخليجية الكبرى، القدرة والدوافع الاستراتيجية لمقاومة الاضطرار للاختيار بين شريك وآخر. والهند بالفعل هي النموذج الأوضح لـ "التعددية الجيوسياسية في العلاقات".

إن هذه الحقبة الجديدة من المرجح أن تُعرّف لا من خلال مفاهيم تقليدية عن الثنائية القطبية أو التعددية القطبية، بل عبر التفكك والتعددية المرنة: مجموعات متداخلة من الدول ذات التفكير المماثل التي تتعاون في قضايا محددة – سواء التجارة أو التكنولوجيا أو الأمن – خارج إطار المنتديات المتعددة الأطراف القائمة. وما يبقى أن نراه هو ما إذا كانت هذه "تحالفات الطامحين" ستتشكل مع الولايات المتحدة، أو حولها، أو رغمًا عنها.

للرجوع للمقال الأصلي من خلال الرابط التالي:

https://www.cfr.org/article/xi-modi-putin-and-new-geopolitics

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025