غزة بين سياسة التجويع وصمت الأنظمة

ايهاب الكيالي

كاتب ومحلل سياسي

حضارات

تحليل سياسي: 

1. الإبادة بالتجويع: أداة حرب ممنهجة

ما يجري في غزة لم يعد مجرد صراع مسلح، بل تحوّل إلى استراتيجية إبادة جماعية تعتمد على التجويع كأداة حرب. الحرمان المتعمد من الغذاء والدواء والماء يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة لإخضاع المدنيين وكسر إرادتهم عبر سلاح الجوع. في القانون الدولي، يعتبر "التجويع المتعمد" جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ومع ذلك فإن المجتمع الدولي يتعامل معها بـ"لا مبالاة استراتيجية"، ما يشير إلى تواطؤ أو عجز أو كلاهما.

2. الأمم المتحدة: إعلان الكارثة بلا تحرّك حقيقي

تصريح الأمم المتحدة بأن المجاعة في غزة وصلت إلى 100% لا يمثل فقط وصفًا لوضع إنساني، بل هو إقرار سياسي رسمي بوقوع جريمة إبادة جماعية. ومع ذلك، لم يُتبع هذا الإعلان بأي خطوات حاسمة على الأرض — لا فتح ممرات إنسانية، ولا فرض عقوبات على الاحتلال، ولا تدخلات إغاثية عاجلة — مما يضع المنظمة الدولية في موقع العاجز أو المساهم بالصمت.

3. الأنظمة العربية: بين العجز والخذلان

رغم فداحة المشهد، لم تفتح الأنظمة العربية المعابر بشكل دائم أو فوري، ولم يتم اتخاذ مواقف سيادية ضاغطة — مثل قطع العلاقات أو استخدام أدوات النفوذ السياسي أو الاقتصادي. هذا الصمت العربي لا يُقرأ فقط كعجز، بل يُفسَّر في أوساط كثيرة على أنه انسجام ضمني مع مسار التطبيعوتحييد القضية الفلسطينية ضمن أولويات هذه الأنظمة.

4. الشعوب العربية والإسلامية: بين الاستكانة والتحرك الجزئي

المقال يشير بوضوح إلى مسؤولية الشعوب، ويضعها في قلب الحدث السياسي. فالضغوط الشعبية،حين تتراكم، يمكن أن تفرض إرادة جديدة على الأنظمة، كما حصل في تجارب عديدة من التاريخ الحديث. لكن الواقع يُظهر أن الحراك الشعبي حتى الآن لا يزال ضعيفًا ومحدود التأثير، ولم يتحوّل بعد إلى ضغط مستدام ومنظّم.

5. المقاطعة الاقتصادية: ورقة فعالة لا تُستخدم كما يجب

المقال يدعو إلى استخدام المقاطعة الاقتصادية كسلاح سياسي، وهو توجه أثبت فعاليته في تجارب دولية (جنوب إفريقيا مثالاً)، حتى أن جهات إسرائيلية اعترفت بتأثير المقاطعة. ومع ذلك، فإن الأنظمةغالبًا ما تُعرقل هذه الحملات، وتشيطنها، فيما لا تزال القطاعات الشعبية تتعاطى معها بشكل موسمي وعاطفي، لا منهجي واستراتيجي.

6. الحرب على الوعي: ساحة المعركة الجديدة

في عالم الصورة والمعلومة، تتحوّل وسائل التواصل إلى ساحة معركة استراتيجية بامتياز. من يملك السردية يملك التأثير. وهنا، يدعو المقال الأفراد إلى التحول لإعلاميين ومؤثرين وموجّهين للرأي العام،وهو تقدير دقيق لطبيعة الحرب الإعلامية في القرن الـ21.

خلاصة التحليل: معركة سياسية وأخلاقية بامتياز

المقال لا يكتفي بتشخيص الكارثة، بل يوجه إدانة سياسية مباشرة للصمت الشعبي والرسمي على حد سواء. غزة، وفق هذا التحليل، ليست ضحية ضعفها، بل ضحية توازنات سياسية إقليمية ودولية اختارت التواطؤ أو التجاهل. والمعركة الحقيقية، كما يظهر، ليست فقط في الميدان، بل في الوعي،والإرادة، والقدرة على الضغط الشعبي المنظم.

التوصية

إن لم تتغيّر المعادلات السياسية على الأرض، فستتحول غزة إلى نموذج لإدارة الصراعات عبر الإبادة الصامتة، وسيفتح هذا الباب أمام تكرارها في ساحات أخرى. السكوت اليوم ليس موقفًا محايدًا... بل خيار سياسي في صف الجلاد.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025