معاريڤ
آنا بريسكي
ترجمة حضارات
بعد انضمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طاولة المفاوضات في مصر، تتكشف الآن تفاصيل جديدة حول دور تركيا في العملية التفاوضية.
المفاوضات بشأن صفقة الأسرى وإنهاء الحرب:
لا يبدو اليوم الأخير في شرم الشيخ كجولة وساطة أخرى، بل كمحاولة مركزة لتحويل النوايا إلى وثائق، والوثائق إلى آليات تُنفَّذ على الأرض.
حين يشارك مبعوث الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر في المحادثات، ويصعد رئيس وزراء قطر إلى الطائرة، وينضم مع رئيس الاستخبارات التركية إلى الطاولة — فهذا ليست "جولة مشاورات أخرى"، بل محاولة لخلق توازن بين ما يمكن الاتفاق عليه فورا وبين ما سيُترك للمرحلة التالية. إنها معركة حقيقية على الفجوة بين النية والقدرة على التنفيذ.
تشكيلة المشاركين هي المؤشر الأفضل على ما يحدث:
الولايات المتحدة ترسل شخصيات من وزن ومكانة عالية؛ قطر وأنقرة تجلبان رأس المال السياسي وصلاتهما مع حماس؛ (إسرائيل) ترسل ممثلين سياسيين يحاولون الحفاظ على هامش مناورة؛ أما حماس أو الطرف الذي يمثلها فيدرس ما إذا كان سيوافق على تسويات قد تؤدي إلى تخفيف فوري في قطاع غزة.
وحين يجلس الجميع حول نفس الطاولة، يتضح أن السؤال لم يعد "هل"، بل "كيف" — كيف تُنقل الكلمات من العناوين إلى أرض الواقع.
الأميركيون يدخلون المفاوضات بخطة عمل واضحة:
تقسيم المشكلة إلى مراحل:
أولًا — وقف إطلاق النار، إطلاق الأسرى، وتسهيلات إنسانية؛
ثم لاحقا — مناقشة نزع السلاح، والحكم، وآليات الرقابة وإعادة الإعمار.
هذه استراتيجية معروفة: استخراج ما يمكن تحقيقه الآن من الصراع، وترك القضايا المعقدة لوقت لاحق.
لكن ما وراء البنية التقنية توجد فرضية سياسية وقانونية مفادها أنه إذا نجحت "المرحلة الأولى"، فسيُخلق زخم سياسي يدفع نحو تنفيذ المراحل التالية الأكثر تعقيدا.
تلك هي الآمال، وتلك هي الآلة الدبلوماسية التي تحاول واشنطن تشغيلها.
لكن هناك فرق بين الأمل وقوة التنفيذ:
عندما تريد الولايات المتحدة شيئا من حليف لها، فإنها لا تكتفي بالضغوط والتهديدات؛ بل تعرف كيف تستخدم أدوات تأثير سياسية واقتصادية تُجبر الطرف الآخر على التصرف وفق رغبتها — وهذا ما تعرفه إسرائيل جيدا.
السلاح الرئيسي الذي تملكه واشنطن هو القدرة على ترجمة الضغط إلى سياسة، ليس فقط عبر الدبلوماسية الرسمية، بل أيضا عبر أدوات نفوذ غير مباشرة أثبتت فاعليتها في الماضي.
ولذلك، عندما يأتي البيت الأبيض بوفد "ثقيل الوزن"، تكون الرسالة واضحة: تقصير الطريق، فرض مراحل محددة، واستغلال نافذة الوقت المتاحة.
ثم تظهر الحقيقة التي تغيّر المعادلة:
على عكس الولايات المتحدة، القادرة على فرض إرادتها على حلفائها، فإن الوسطاء الإقليميين — قطر ومصر وتركيا — لا يمتلكون الأدوات ذاتها.
يمكنهم الضغط، الإقناع، التحذير، بل والتهديد، لكنهم لا يستطيعون إجبار حماس على القيام بخطوة تتعارض مع مصالحها الأساسية.
وحماس، من جانبها، تدرك جيدا حدود هذه القوة وتستغلها: تشدد مواقفها، ترفع سقف شروطها، وتطالب بضمانات لمكانتها وسيطرتها في "اليوم التالي".
الفرق بين نوعَي الضغط جوهري — فالأميركيون يعرفون كيف يحوّلون الإرادة إلى فعل، بينما حماس تعرف أين لا يمكن لأحد فرض شيء عليها.
ومن هنا تنشأ التوترات العملية:
الولايات المتحدة يمكنها محاولة "فرض" صفقة على حليفها بطريقتها؛
أما دول المنطقة، فبوسعها فقط ممارسة الضغوط على حماس؛ لكن لا واحدة منهن تستطيع ضمان أن التوقيع على ورقة سيتحول إلى واقع دائم من دون آليات تنفيذ حقيقية.
وهنا نصل إلى النقطة الحاسمة:
حتى( لإسرائيل) خطوط حمراء ليست قابلة للنقاش.
لا ضغط، ولا تهديد، ولا وعد — حتى لو كان يعد بـ"سلام في الشرق الأوسط" أو "جائزة نوبل للرئيس الأميركي" يمكن أن يدفعها إلى وضع حد لنفسها.
أمنها القومي ليس عملة للمقايضة في لعبة أخلاقية على الساحة الدولية.
هكذا ترى تل أبيب الوضع والديناميكية الحالية.
على الطاولة في شرم الشيخ، يحاولون بيع فكرة أنه من الممكن اليوم القيام بـ "الغارة" الدبلوماسية - لإخراج نتيجة فورية توفر استجابة إنسانية وجزئية للأسرى وسكان غزة، وفي الوقت نفسه تأجيل القضايا المتباينة لنزع السلاح وإعادة التنظيم. إنه ممكن، وضروري بشكل خاص. ولكن حتى لو تم الاتفاق، فإن حقيقة أن العناصر الإقليمية لا تستطيع أن تملي على حماس جميع شروطها، وأن الأمريكيين يمكنهم استخدام القوة، لكنهم ليسوا الأداة الوحيدة للتغيير الداخلي في الجيب الفلسطيني — تعني أننا سَنشهد مناورات توازن دقيقة، وكسرا جزئيا لحالة الشرعية، وتطوير آليات رقابة سترافق عملية التنفيذ.
لذلك إذا كان هناك درس من يوم آخر عندما يأتي جميع اللاعبين الكبار إلى الطاولة، فهو: الصفقات السريعة يمكن أن تنقذ الناس من الخطر، ولكن بدون آلية تنفيذ قوية مقترنة بالقدرة على إملاء السياسة على الأرض، فسوف تنهار. والسؤال المطروح على شرم الشيخ ليس فقط من سيكتب البنود الأولية، بل من سيقف وراءها عندما يتم تنفيذها. هل هناك بناء آلية هنا، أم أنها مجرد وثيقة جميلة أخرى، مريحة للقراءة في الصحافة? في الأيام القادمة سنكتشف ما إذا كان هذا الاجتماع سينتج نتيجة وحل - أو مجرد بيان