دلالات مذكرة الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو و36 مسؤولًا
في خطوة تعكس تصعيدًا سياسيًا وقانونيًا غير مسبوق، أصدرت النيابة العامة في إسطنبول مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و36 مسؤولًا عسكريًا وسياسيًا آخرين، على خلفية ما تعتبره أنقرة "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتُكبت في قطاع غزة. القرار التركي، رغم إدراك محدودية تنفيذه على أرض الواقع، يحمل مجموعة من الدلالات العميقة على المستويين الإقليمي والدولي.
أول هذه الدلالات يتمثّل في انتقال تركيا من دائرة الخطاب السياسي الحاد إلى خطوات ذات طابع قضائي دولي، في سياق مسار تحاول من خلاله تعزيز سجلها القانوني ضد الحكومة الإسرائيلية. فإصدار مذكرة اعتقال بحق مسؤول في موقع نتنياهو ليس مجرد إجراء رمزي؛ بل هو بناء قضية موثقة يمكن أن تُضاف لاحقًا إلى الملفات المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.
على المستوى السياسي الداخلي، يعزز القرار خطاب الحكومة التركية أمام الرأي العام، خصوصًا مع تصاعد الضغط الشعبي للتعامل بحزم مع إسرائيل. ويأتي هذا التطور بعد إجراءات متتالية شملت تعليق التجارة وإغلاق بعض قنوات التعاون، بما يعكس نهجًا تركيًا يعتمد التصعيد التدريجي المحسوب منذ اندلاع الحرب على غزة.
خارجيًا، يشكل القرار رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية بأن أنقرة مستعدة للذهاب أبعد مما كان متوقعًا في مواجهة الحرب على غزة، حتى وإن أدى ذلك إلى مزيد من التوتر في ملفات سياسية وأمنية أخرى. ومن هنا يبدو أن الخطوة جزء من إدارة توازنات إقليمية ودولية تتجاوز نطاق غزة وحدها.
ورغم أن احتمالات تنفيذ مذكرة الاعتقال تكاد تكون معدومة، فإن قيمتها الحقيقية تكمن في الرمزية السياسية والدبلوماسية، وفي محاولة تركيا ترسيخ نفسها كفاعل إقليمي يمتلك القدرة على استخدام أدوات القانون الدولي، لا الخطاب السياسي فقط. كذلك يمنح القرار أنقرة مساحة أوسع لتقديم نفسها كمرجعية معنوية في العالم الإسلامي، خاصة في ظل فراغ دولي متزايد تجاه الوضع في غزة.
في المحصلة، تعكس مذكرة الاعتقال مرحلة جديدة في توجهات السياسة التركية تجاه إسرائيل، وتحمل رسالة مزدوجة: دعم قانوني وسياسي للفلسطينيين، ومراجعة جذرية لمسار العلاقات التركية–الإسرائيلية في المدى المنظور.
إيهاب الكيالي
كاتب ومحلل سياسي
إسطنبول – تركيا
