بالتأكيد يعتبر الاتفاق الذي تم التوصل إليه إنجازا بالنسبة لحماس والمقاومة بالنظر لما كانت تطمح لتحقيقه منذ فترة، وما تسمح إمكانياتها بالتوصل إليه في ظل موازين القوى الحالية، حيث انه، بافتراض أنه تم الالتزام بتنفيذه (اي المرحلة الأولى) من الطرف الاخر، فقد نجحت حماس فيما يلي:
- فصل مسار وقف الحرب والهدنة عن مسار ما بعد الحرب طبقا لخطة ترامب، وهو المسار الملئ بالالغام والعقبات والسلبيات الصارخة (راجع ما نشرناه على قناة المعهد في نقد وتشريح لخطة ترامب).
- وقف الحرب، ولو مؤقتا، بما يوقف نزيف الدماء ويرفع الكثير من المعاناة على أهل غزة.
ـ ادخال المساعدات المطلوبة بشدة.
ـ تحقيق انسحاب إسرائيلي من عدة مناطق ولو جزئيا.
- تحرير عدد لا بأس به من الأسرى الفلسطينيين من سجون الإحتلال خاصة من القيادات ومن ذوي الأحكام المؤبدة.
- السماح للمقاومة بالتقاط الأنفاس والاستعداد لمراحل مقبلة إذا اقتضى الأمر.
إلا أن هذه الإنجازات لا يجب أن تصرف الأنظار عن التساؤل حول سبب التحرك المفاجئ من أمريكا وإسرائيل بالقبول به بعد أشهر من المماطلة. لا يجب أن نغفل عن أن الإتفاق في نهاية المطاف مجرد خطوة تكتيكية تفسح المجال لتحقيق الأهداف الإسرائيلية الأمريكية.
نحن نرى أن هناك أمورا تدبر، ولا يمكن تصديق أن ترامب ونتنياهو انقلبا ورضيا بالاتفاق مرة واحدة هكذا، أو استجابا للضغط العالمي والإقليمي ويلقيان بالا بالاعتراضات الشعبية والرسمية الدولية، ويريدان استعادة الصورة الجميلة لإسرائيل كما قال ترامب، هكذا مع عدم حدوث متغيرات جوهرية تدعو اليه.
من وجهة نظرنا، هناك عدد من الأسباب المحتملة لتوقيع الاتفاق في هذا التوقيت من وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية:
١. التخلص من الضغط الذي كانت تشكله أزمة الأسرى على الإجماع الصهيوني.
2. تجريد حماس من ورقة الضغط الرئيسية لديها ، ثم قلب الطاولة عليها بعد ذلك بممارسة ضغوط هائلة من الجميع للتوقف عن أي مقاومة في المستقبل (الكيان الصهيوني وأمريكا في الأغلب سيستهدفان القضاء المبرم على الحركة، واستهداف قياداتها المؤثرة بالاغتيال، وعدم السماح بتوفير ملاذ امن لها).
3. التمهيد للهدف النهائي بالسيطرة على القطاع وفقا لمخطط كوشنر وبلير، الذي قد يشمل أيضا تهجيرا جزئيا لعدد كبير من أهل القطاع.
4. توفير بيئة هادئة نسبيا لافساح المجال لضربة إسرائيلية (مدعومة أمريكيا ) جديدة على ايران، وربما تشمل لبنان والعراق واليمن للتخلص من هذه التهديدات. هذا يأتي في إطار الرؤية الإسرائيلية للتوسع والهيمنة، وكذلك للرؤيه الأمريكية بفرض السيطرة عن طريق حليفتها إسرائيل لكي تضمن السيطرة على قلب منطقة غرب آسيا وطرقها الحيوية ومن ثم التركيز والجاهزية لمواجهة العدو الرئيس في الصين.
5. امريكا قد تريد بعض التهدئة لان هناك تصعيدا كبيرا مقبلا في أوروبا في جبهة أوكرانيا. هذا لا يتناقض مع النقطة 4 حيث أن الغرب ينظر إلى إيران وروسيا كتهديد مترابط.
6.العامل الشخصي لدى ترامب للظهور بمظهر صانع السلام والجدير بجائزة نوبل.
7. يوجد ايضا عامل شخصي لدى نتنياهو بأنه يظهر أنه أوفى بعهده وأنه حرر الأسرى كما وعد، لكنه بالتأكيد سيدفع باستمرار الحرب في إطار استراتيجيه الثابته منذ ثلاثين عاما يسعى من خلالها لفرض شرق أوسط جديد بقيادة إسرائيل.
بالنظر لكل ماسبق، على المقاومة أن تعي ما يواجهها من تحديات وتسعى لإعداد استراتيجية شاملة لمواجهتها، كما يجب على كل دول المنطقة إدراك أنها مقبلة ايضا على تحديات هائلة تفرض عليها التموضع في الجانب الصحيح من التاريخ.
https://t.me/eipss_eg/5815