المستقبل بين السيناريو المرغوب وتقدير الموقف المكتوب

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

حديث في الأصول والمباني

أولاً: بين يدي الحديث:

يجهد القادة والمسؤلون قبل أخذهم أي قرار، معرفة مترتباته وما يمكن أن يتولد عنه من أحداث وتداعيات مستقبلية. وفي بعض مستويات القرارات، خاصة ذات الطابع الاستراتيجي، والذي يقدم على أخذه الصف الأول من رجال الدولة، أو التنظيم، أو الحركة، يتطلب الأمر توقع، أو تقدير ما يمكن أن ينتج عن هذا القرار من تداعيات في مختلف المجالات؛ السياسية والأمنية العسكرية أو الاجتماعية، وغيرها من مناحي الحياة ومجالاتها. ولرفع مستوى فهم ما يمكن أن ينتج عن القرار من تداعيات؛ تعارف ذوي الشأن، وأصحابالاختصاص على انتهاج نهجين يساعدان في زيادة فهم مآلات ما هم مقدمون عليه من قرارات، الأول هو: ما يعرف بتقدير الموقف، والآخر، كتابة السيناريو. ولما كان قرار الحرب من أعقد القرارات التي يمكن أن يأخذها قائد أو مسؤول، كان لا بد له من أخذ قراره/ها بناء على تقدير موقف يُخلص له من معطيات بين يديه، أو سيناريو يُتطلع إلى أن تجري مجرياته، ومراحله بناء على ما صيغ وكتب، إستناداً لقدرات وإمكانات تحت إمرته. من هنا تأتي هذه المقالة للحديث في كُليّات هذين العلمين والفنين، من علوم وفنون استشراف المستقبل ومعرفة مآلاته.     

ثانياً: تحرير المفاهيم: 

وحيث أن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وحيث أن الحكم يحتاج إلى معرفة وفهم، فإن قاعدة الفهم هي: تحرير أصل المفهوم الذي يتم الحديث عنه، كون هذا التحرير يساعد في فهم مركبات ومضامين المفهوم محل البحث. من هنا نجد أنفسنا مضطرين إلى تعريف كلا المفهومين، مفهوم "تقدير الموقف"، ومفهوم" السيناريو.

  1. السيناريو: 

في أبسط تعاريف السيناريو، يعرفه أهل الفن والاختصاص بأنه: وصف معقول، ومبسط في أغلب الأحيان، لكيفية تطور المستقبل استناداً إلى مجموعة فرضيات متجانسة ومتسقة داخلياً، وصف عن القوى المحركة، والعلاقات الرئيسية بين هذه القوى. من هذا التعريف، يمكن الخلوص إلى نتيجة كلية وهي: أن السيناريو مسارٌ يوضع بناء على مجموعة فرضيات، توصل إلى تحقيق أهداف أو غايات، يحاول واضعوه ــ واضعوا السيناريو ـــ أن يسوقوا الأحداث والمواقف لتحقيقها. في كتابة السيناريو، تقول الجهة المُعدة له: هذا الذي أريد، وهذا ما يناسبني، وعليه هذا ما يجب أن أُعده، وأحضره، وأقوم به من إجراءات، تؤمن الوصول إلى تلك الغايات. 

يلجئ صُنّاع القرار و( طابخيه) إلى تقنية أو فن كتابة السيناريو لتحقيق أهدافهم وغاياتهم مضطرين، لاتصاف الموقف الذي يجدون أنفسهم فيه بعدة صفات من أهمها: 

  1. قلة المعطيات أو المعلومات أو البيانات المتعلقة بالموقف محل البحث. 
  2. قدرات تحليلية غير ناضجة، أو يعتريها قصور، ذاتي أو موضوعي. 
  3. عدو أو خصم لا عقلاني وغير متوقع السلوك، وردات الفعل.

بعد أن تصوغ جهات الاختصاص عدة سيناريوهات للتعامل مع الموقف محل الاهتمام، توضع هذه السيناريوهات بين يدي أصحاب القرار، وبعد المصادقة على أفضلها، أو المختار منها، يتم حشد وتعبئة القدرات والإمكانات؛ الذاتية والرديفة، وتوظيفها لسير في خطوات تنفيذ ما أتفق عليه، مع مراقبة تطور الموقف أثناء الإجراء، وتقييم وتقويم تقدمه وتطوره، إلى أن يوصل إلى المآل المرجو، والنهاية المرغوبة.  

  1. تقدير الموقف: 

يعرف تقدير الموقف على أنه: عملية تحليل لمعطيات وبيانات ومعلومات، بهدف فهم الظروف والعوامل المؤثرة، في قضية أو قضايا معينة، ومن ثم تقديم توصيات لصاحب القرار، حيث يتضمن تقدير الموقف: جمعاً للمعطيات، وتحليلاً للبيانات، ومن ثم تقديراً للمآلات. 

إذن الفرق الرئيسي والجوهري بين تقنية كتابة "السيناريو"، وتقنية " تقدير الموقف" هي في قلة أو عدم إمتلاك معلومات ومعطيات صلبة في الأولى، وحيازتها ـــ المعطيات والمعلومات ـــ في الثانية. 

في استخدام تقنية السيناريو نقول: هذا الذي نريد، وهذا الذي نملك من قدرات، وعليه هذه هي الطريق التي سنسلكها للوصول إلى غاياتنا. أما في تقدير الموقف؛ فإن الذي يقال: بناء على تحليل المعطيات والبيانات؛ هذا ما يمكن أن يحدث، وهذا ما يجب أنه نقوم به في مواجهة ما سيقع.   

يُلجئ إلى تقدير الموقف، في المواقف التي تتوفر فيها المواصفات، أو الظروف الآتية: 

  1. توفر معطيات ومعلومات كافية لفهم كُليات الموقف محل البحث.
  2. توفر صفة العقلانية في الطرف ــ عدو، خصم ، صديق ـــ المراد تقدير سلوكه وإجراءاته.
  3. قدرات وإمكانيات يعتد بها؛ فنياً وقدراتياً، في مجالات: جمع المعطيات والمعلومات، وتحليلها، وفهم ما بين سطورها. 

وفي هذا السياق فإن ما يساعد في قراءة وفهم ما بين سطور المعلومات والبيانات محل التحليل والدراسة، هو قراءتها بشكل عقلاني لا رغائبي، وتعدد زوايا مقرابتها، وتحمل قبول الرأي المخالف. كما أن افتراض مسار حرج أثناء تقدير الموقف، يمكن أن تسلكة التطورات، يساعد وبشكل كبير جداً في القدرة على تجنب مفاجأة العدو لنا، ومنع الموقف من الخروج عن السيطرة.   

وحيث أن أجهزة الاستخبارات في الدول والحركات، هي المعنية بشكل رئيسي في وضع السيناريوهات، وكتابة تقديرات الموقف لأصحاب الشأن والقرار، وحيث أنهم وبحكم الاختصاص والصلاحية، يمتلكون قدرات جمع المعلومات والتعامل معها، الأمر الذي يجعلهم محل المسألة، خاصة في حال التقصير في تقدير وتوقع إمكانية خرج الموقف عن السيطرة، أو إخفاق السائرون في الوصول إلى غايتهم ــ بالمناسبة أفضل ما قيل في سبب وقوع الحروب، أنها تقع عندما: يبالغ الساسة، ويخطئ الجواسيس(إقرأ ضباط الاستخبارات) ـــ  حيث أنهم كذلك، فمن المناسب أن نشير إلى أن الأسباب الرئيسية في فشل أجهزة الاستخبارات يرجع إلى التالي: 

  1. الفشل في تقاسم المعلومات، بين مختلف الوكالات، فــ(فطرة) هذه الأجهزة والعاملون فيها قد فطرت على حب الاحتكار، وعدم المشاركة، والتنافس فيما بينها، كيف لا وهم يملكون أصل القوة؛ المعلومات.
  2. فشل في التحليل الموضوعي للمعطيات والمعلومات المُجمّعة، الأمر الذي يرجع إلى عدة أسباب، من أهمها: الميل الذي يركز على الإثنية(الآخرون يفكرون كما نفكر)، التفكير بوحي الأماني والرغبات، المصالح الخاصة، الميل للوضع الراهن(الطقس غداً كما هو اليوم)، الختام والانتهاء السابق لأوانه. وفي هذا تفصيل يطول.  

ثالثاً: الخلاصة: 

أمام هذا الموقف، وحيث أننا نواجه عدواً (انطوش) من صفعة السابع من أكتوبر، وما زال(مطووش)، فلا عقلانية لسلوكة، ولا أمان لعهوده، الأمر الذي يعني أنه ممكن أن يقدم على أي شيء متصور، حيث أن الموقف كذلك، وحتى لا نبقى في مربع رد الفعل، والجمود والانتظار، فإن أهم ما يقع على عاتق ضباط المعلومات في الدول والحركات التي تناهض هذا العدو، وحلفائه من عرب وعجم، تناهضهم العداء، أهم مهامهم يمكن أن يختصر بالآتي: 

  1. بذل الجهد في الحصول على معلومات ومعطيات صلبة عن هذا العدو وحلفائه. 
  2. تجويد، ورفع كفاءة القدرات ــــ البشرية والمادية ـــ التي تساعد في قراءة وتحليل وتقدير هذه المعطيات والمعلومات، أو/ كتابة السيناريوهات. 
  3. بذل الجهد في فهم نويا العدو(أصل مهمة ضابط المعلومات؛ معرفة نوايا العدو) من خلال ما يتم استخلاصه من قراءة وتحليل موقفه وما جمع، ويجمع عنه من معطيات ومعلومات.
  4. القدرة على حفظ سرية ما نفهمه من سلوك العدو، وما نعلمه عنه من معلومات ومعطيات.
  5. القدرة على تطوير معادلة معرفة وفهم تساعد في تحديد مدى قربنا أو ابتعادنا عن تحقيق ما نرغب من سيناروهات، أو ما نُقَدّر من مخاطر وتهديدات. 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025