يستطيع الفلسطينيون في قطاع غزة إلتقاط البعض من أنفاسهم في أعقاب توقف الحرب ودخول المساعدات وخروج أعداد من الأسرى الفلسطينين من سجون الإحتلال، مع تنفيذ ما يسمى بالمرحلة الأولى من الإتفاق الذي تم توقيعه بين حركة حماس وإسرائيل برعاية أمريكية وعربية وإقليمية.
من حق الشعب الفلسطيني أن يلتقط انفاسه ويحتفل، ليس بالنصر النهائي كما يصوره البعض، ولكن بالصمود الأسطوري الذي سيسجله التاريخ بكل فخر واعتزاز.
إلا أننا نرى أن التطورات في أعقاب ذلك لن تسير، مع الأسف، بشكل إيجابي، وهذا ما يجب إدراكه والتحسب له، فما يعيشه الشعب الفلسطيني الان في غزة هو مجرد إستراحة محارب، يجب ان يعقبها عمل دءوب، حيث نتوقع عدداً من المسارات كالتالي:
- تستمر عملية "التفاوض" حول استكمال الإستحقاقات التي احتوتها خطة ترامب، بينما يكون الكيان الصهيوني في موقع قوة كبير بعدما انتهت أخر أوراق التفاوض لدى المقاومة (الأسرى الصهاينة)، واستمرت إسرائيل في السيطرة على 58% من أراضي القطاع (عند الخط الأصفر طبقاً للخطة). الهدف سيكون نزع سلاح المقاومة وتسليمها التام وخروجها من المشهد، وفرض الوصاية الخارجية على القطاع، طبقاً لما تحدثنا عنه من قبل حول مثالب ما يطلق عليه "خطة ترامب"، وفي ظل ضغوط كبيرة تمارسها، ليس فقط الولايات المتحدة، ولكن كل دول العالم، بما فيها دول الإقليم، حتى تسلم حماس بالأمر الواقع.
- الضغوط الهائلة على حماس ستشمل التهديد بعودة الحرب وما يتعلق بذلك من ضغوط فلسطينية داخلية لا تريد العودة للوضع البائس خلال عاميّ المعركة، بل قد ينفذ العدو تهديداته ويستأنف العدوان الشرس بأي حجة واهية، التهديد بخروج القيادات السياسية للحركة من أماكن إقامتهم مع صعوبة إيجاد أماكن بديلة في ظل الإتهامات بالإرهاب، التهديدات بما يمس سلامة القيادات وملاحقتهم بالإغتيال، انقطاع كافة أشكال الدعم عن الحركة، إلى أخر ذلك من الضغوط.
- البديل الأول للمقاومة أمام هذه الضغوط سيكون القبول بكل التنازلات التي تفرضها خطة ترامب، في ظل عدم قدرتها على انتزاع أي تنازلات مقابلة مع غياب أوراق الضغط لديها، وهو ما سيترتب عليه عملياً إغلاق ملف القضية الفلسطينية والسيطرة الصهيونية التامة، ليس على غزة فقط، ولكن على كل فلسطين.
- البديل الثاني هو ألا تقبل الحركة ذلك وتستمر في المقاومة، وهو ما سيترتب عليه أثار سلبية ضخمة على الحركة نفسها، ويتوقف ما يتلو ذلك على مدى قدرتها وقدرة الشعب الفلسطيني على إدارة ملف المقاومة بكفاءة بما يشكل ضغطاً يعرقل من تحقيق المخططات الموضوعة.
- هذا البديل الثاني يقتضي تفكيراً استراتيجياً إبداعياً مختلفاً، يمكن من خلاله حشد الدعم الشعبي العربي والإسلامي وحتى العالمي لخيار المقاومة. العنصر الاهم هو بقاء سردية الإبادة الجماعية قائمة، فالجرائم المرتكبة لا تسقط بتوقيع الاتفاق وكأن شيئا لم يكن، فهذه الجرائم تم ارتكابها ويجب المحاسبة العادلة عليها.
كما يقتضي هذا البديل أيضاً إدراكاً من كل الدول في الإقليم أن خيار استسلام الشعب الفلسطيني لن يترتب عليه إلا المزيد من التوسع الصهيوني في كل المنطقة، وفرض التصور الصهيو أمريكي عليها، وهو ما سيعاني منه الجميع بدون استثناء.
إن المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني بأكمله، يمر الأن بأدق المراحل التي مرت عليه في تاريخ قضيته. التعامل مع هذا الوضع يقتضي بدايةً إدراك طبيعة المرحلة التي يمر بها، ثم التعامل معها، بعد التوكل على الله، بما يقتضيه ذلك من تخطيط وفعل.
https://t.me/eipss_eg/5820