الاتفاق قيد التنفيذالتكتيك الأمريكي البارع والتفاصيل الغامضة: وراء كواليس الصفقة

يديعوت

ترجمة حضارات 

رونين بريدجمان

ليس اتفاقًا نهائيًا، بل إطار "هش" من المبادئ فُرض بضغط أمريكي غير مسبوق. يكشف مسؤول أمني رفيع المستوى مطّلع على تفاصيل المفاوضات كيف تحقق هذا الاختراق، وما ينقص الاتفاق. الإنجازات التي سيُسوّقها نتنياهو للجمهور، وما أرادته حماس وحصلت عليه، والتداعيات الاستراتيجية الهائلة للاتفاق.

رغم التصريحات المتفائلة في شرم الشيخ عن "اتفاق تاريخي"، فإن خلف الابتسامات المتوترة والمصافحات الحادة، كانت تختبئ حقيقة أكثر تعقيدًا. يكشف مسؤول كبير مشارك في المفاوضات، في محادثات مغلقة، القصة الحقيقية بالتفصيل: هذا ليس اتفاقًا نهائيًا، بل إطار مبادئ فضفاض فُرض على الطرفين تحت ضغط أمريكي غير مسبوق. ويقول إن الهدف لم يكن حل جميع المشاكل، بل خلق ديناميكية تُنهي الحرب. ويضيف: "إنه تكتيك مذهل: أن نتفق أولًا، ثم نتجادل".

القصة الكبرى للصفقة لا تكمن في تفاصيلها، بل في غيابها. وأوضح المصدر الأمني نفسه: "لا يوجد حسم حقيقي للتفاصيل. كان هناك ضغط ترامبي من الأعلى لإغلاقها بسرعة. تم الاتفاق على المبادئ العامة، ولكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق جوهري. كان الهدف واحدًا: خلق ديناميكية ختامية. وقد نجحوا في ذلك. والحمد لله على جائزة نوبل"، قالها بسخرية، في إشارة إلى الدوافع المحتملة التي تحيط بالإدارة الأمريكية.

ترامب: "الحرب انتهت، وسيتم إطلاق سراح الرهائن يوم الاثنين أو الثلاثاء"

وبحسب المصدر، فإن من يبحث عن آليات تنفيذ واضحة، أو جداول زمنية دقيقة، أو قوائم أسماء في الاتفاق، يبحث في المكان الخطأ. وقال: "لم يُنجزوا أي شيء جوهري على المستوى التكتيكي. لا شيء. لا أحد من جانبنا يتعامل مع أي شيء لا يتعلق بالتحرير والانسحاب. وبالتأكيد ليس التسريح والتهجير".

فرض اتفاق، وإدارة النزاعات لاحقًا

يكمن جوهر الاتفاق في استراتيجية دبلوماسية بارعة، يصفها المصدر بأنها "تكتيك مذهل". الفكرة تكمن في إجبار الطرفين، إسرائيل وحماس، على الموافقة أولًا على الإطار العام، وبعد ذلك فقط إدارة الخلافات حول التفاصيل الصغيرة – والحيوية – في ظل "جو من التوافق" يخيم عليهما، وتمارس دول المنطقة – مصر وقطر وتركيا والسعودية – ضغوطًا هائلة تمنع أيًا منهما من إفشال الاتفاق.

"إنه صامد"، يقول بحزم. "من سيفجره الآن ولماذا؟ بعد أن وافق العالم العربي والغربي بأكمله على هذه الخطوة، وقع كلا الجانبين في فخ هذه الديناميكية".

الوفود في شرم الشيخ: "من سينفجر الآن؟ كلا الجانبين عالقان في ديناميكيات التحرك"

المنطق بسيط: بدلًا من الخلاف حول هوية الأسرى أو خريطة الانسحاب الدقيقة لعدة أشهر، ستضطر الأطراف إلى إيجاد حلول تحت التهديد المستمر بانهيار الاتفاق بأكمله – وهو سيناريو لا يستطيع أي من الأطراف المعنية تحمله.

نجاة حماس، واختطاف إسرائيل

في إطار المبادئ العامة، قبل كل طرف الإنجاز الاستراتيجي الأهم بالنسبة له. يوضح المصدر: "قبلت حماس بالبقاء واقفة على قدميها، ووقف الحرب، والحصول على ضمانات من هنا إلى أنقرة. قبلنا عودة الجميع وانسحابًا يحافظ على محور فيلادلفيا والمحيط الأمني. لا شيء غير ذلك".

التفاصيل، كما ذُكر، لم تُحسم بعد – بما في ذلك تفاصيل الانسحاب. "يبقى جيش الدفاع الإسرائيلي في الداخل حتى بعد التحرير، ولكن خارج المدن. سيعتمد الانسحاب على وتيرة التحرير. أين تحديدًا؟ كم؟ لماذا؟ وإلى متى؟ ابحثوا. أقول لكم، الأمر ليس واضحًا عمدًا".

نتنياهو وترامب والحية: كل طرف حصل على أهم إنجاز

عمليًا، هذا يعني أن سكان غزة سيعودون إلى منازلهم، حتى لو دُمّرت، وستسعى حماس لإعادة إعمارها. "سيبقى الجيش هناك حتى تسريحه، لكن ليس بمستوى يمنع الناس من العودة للعيش فيها. المسألة كلها تتعلق بمغادرة المدن والعودة إلى روتينها".

هكذا سيسوّق نتنياهو الصفقة

مع أن هذا ليس "نصرًا كاملًا" أو حاسمًا لحماس، إلا أن المصدر نفسه يعتقد أن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنجازات عديدة يمكن تسويقها للجمهور: "يمكنه القول إن الجميع يعودون دفعة واحدة، وإن حماس معزولة وجميع الدول ضدها، وإننا لم نتراجع عن خطوطها الرئيسية. هذا اتفاق رائع من وجهة نظره".

قال إن الرواية الإسرائيلية ستتمثل في بقاء القوات في غزة في "مواقع مهيمنة" ويمكنها "الدخول في أي وقت نريده". ولن تُناقش المرحلة الثانية من الاتفاق، التي يُفترض أن تتناول التسريح الكامل، إطلاقًا: "إنها قصة نرويها لأنفسنا، ولا بأس أن تؤدي إلى احتجاز رهائن".

ويؤكد أن الضغط للتوصل إلى اتفاق جاء من الخارج. ويقول المصدر: "هذا دليل ملموس على أن كل ما يحدث الآن ليس بيبي، بل ترامب. لو كان الأمر بيد نتنياهو، لما فعل ذلك".

الأهمية الاستراتيجية: العودة إلى عصر الاتفاقيات

إلى جانب وقف الأعمال العدائية، يُمثل الاتفاق تحولًا استراتيجيًا عميقًا في المنطقة. ويصرح المصدر قائلًا: "نحن ندخل عصر الاتفاقات، لا عصر الحرب". ويعدد سلسلة من التداعيات الدراماتيكية:

  • العودة إلى المسار السياسي: قضايا مثل كامب ديفيد وأوسلو عادت إلى الطاولة
  • تجميد الضم: تم تأجيل الخطوة المخطط لها في يهودا والسامرة
  • السلطة الفلسطينية تعود – وستشارك في إدارة غزة
  • محور إقليمي جديد: دخول تركيا وقطر إلى "المحور الأميركي" إلى جانب السعودية

في نهاية المطاف، الاتفاق هو نتاج ضغوط شديدة ومصالح معقدة. ويختتم قائلًا: "تذكروا أن الجيش يريد إنهاءه حقًا، وسيُحققه بنفسه". رسالته واضحة، ومتطابقة مع تصريح ترامب الليلة: انتهت الحرب. والآن تبدأ المفاوضات الحقيقية حول تفاصيل الاتفاق، في ظل واقع جديد فُرض على الجميع.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025