نهاية الحرب وبداية التفاوض: اتفاق غزة يفتح الباب أمام ترتيبات إقليمية جديدة

واي نت

ترجمة حضارات 

“الورقة الرابحة” لترامب التي أرغمت حماس على الركوع: هكذا تم توقيع الاتفاق – ولماذا الآن تحديدًا

بعد سبعة أشهر من انطلاق عملية "عزم وسيف" التي أنهت وقف إطلاق النار السابق، تم توقيع اتفاق جديد يُفترض أن يكون الأخير. هذه هي الشروط التي جعلت نجاحه ممكنًا الآن، والانقلاب الذي أحدثه الرئيس ترامب.

في 18 آذار/مارس 2025، انهار عالم عائلات الأسرى مجددًا، حين بدأ الجيش الإسرائيلي عملية "عزم وسيف" في قطاع غزة، معلنًا فعليًا نهاية وقف إطلاق النار، ورافضًا الانتقال إلى المرحلة الثانية من الصفقة التي كانت تنص على إعادة الأسرى المتبقين خلف الخطوط. ومنذ ذلك الحين، مرّت قرابة سبعة أشهر، بدا خلالها أن الطرفين يقتربان مرارًا من صفقة، فيما بثّت إسرائيل تفاؤلًا متكررًا، وكان الرئيس دونالد ترامب يردد: "إنها قريبة".

لكن الصفقة لم تتم. فقد أطلق الجيش الإسرائيلي عمليتي "مركبات جدعون أ" و"مركبات جدعون ب"، اللتين أسفرتا عن مئات القتلى والجرحى في صفوف الجنود، وفشلت الاتصالات مرارًا. وفي آب/أغسطس، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قبيل توقيع ما سُمّي "اتفاق فيتكوف"، أن إسرائيل لن توافق إلا على عودة جميع الأسرى دفعة واحدة. واليوم، ما لم تقع تطورات دراماتيكية، يُفترض أن يبدأ تنفيذ اتفاق بصيغة قريبة جدًا من ذلك، نتيجة تقاطع أحداث استثنائية يُفترض أن تؤدي إلى إنهاء الحرب بعد أكثر من عامين بقليل.

السياق الدولي

لا يمكن فصل الصفقة الحالية عن السياق الدولي. فالعالم بأسره، وفي البيت الأبيض تحديدًا، يشهد حالة من الاشمئزاز العام من الحرب في غزة، فيما تواجه إسرائيل عزلة دبلوماسية غير مسبوقة.

ترامب، الذي تولّى منصبه مع بداية الصفقة السابقة، كان يملك خططًا إقليمية كبرى للشرق الأوسط، وكان واثقًا من قدرته على المضي بها حتى دون إنهاء الحرب. سبقه جو بايدن، الذي كرّر مرارًا أن هجوم حماس في 7 تشرين الأول جاء لإفشال تسوية إقليمية بين إسرائيل والسعودية.

الآن، فإن إنهاء الحرب – وربما التزام إسرائيلي بمسار نحو دولة فلسطينية – قد يفتح الباب أمام تطبيع مع الرياض. جانب مهم آخر هو شعور ترامب بالتزام شخصي تجاه عائلات الأسرى، خصوصًا الأميركيين، لكنه تأثر أيضًا بقصص جميع الأسرى، ويقال إن لقاءاته معهم ومع من نجا من الأسر هزّته بعمق.

شعر أن إنهاء الحرب في غزة مهمة إنسانية، جزئيًا بسبب تعاطفه مع سكان وأطفال غزة الذين رأى أنهم يعانون بشدة، وربما ساهمت علاقاته مع الدول العربية في ذلك. انتقد الجوع في غزة وأسلوب إدارة الحرب، وضغط من أجل تجديد المساعدات الإنسانية.

ما الذي جعل حماس تتراجع؟

إجبار حماس على التنازل عن الأسرى – الذين اعتبرتهم أوراقها الأساسية للمساومة – خلال 72 ساعة لم يكن أمرًا بسيطًا.

أولًا، الضغط العسكري الإسرائيلي كان فعّالًا: العملية في مدينة غزة، إلى جانب دعم ترامب والضربة في الدوحة، أدخلت القيادة في حالة من الذعر، وفهمت أن الحسم بات مسألة وقت.

لكن كان لا بدّ من عنصر إضافي، وجاء ذلك في قرار حاسم من الرئيس الأميركي، مخالفًا المزاج السائد في إسرائيل.

بعد تحليل معمّق، توصّل ترامب وفريقه إلى أن الشخص الوحيد القادر فعليًا على إقناع حماس بإنهاء الحرب هو رجب طيب أردوغان. فقدم له عرضًا لا يمكن رفضه:

"أنت تجلب حماس إلى الطاولة، وأنا أؤمّن لك طائرات F-35 وF-16، أرفع العقوبات عن تركيا، أسمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر إسرائيل، وأشركك في خطة إعادة إعمار غزة."

بكلمات أخرى، منح ترامب أردوغان ما كان يريده أكثر من أي شيء: مقعدًا على الطاولة يعامله كزعيم إقليمي، بعد عامين من تجاهل إسرائيل لأي دور تركي.

في إسرائيل، فضّل كثيرون أن يكبح ترامب أردوغان وخطابه التحريضي، لكنهم أدركوا أن إشراكه هو ما رجّح الكفة. أثبت الأتراك أن لهم تأثيرًا هائلًا على حماس، وفي الواقع، لووا ذراع قيادتها بانضمامهم إلى الضغط الدولي.

أردوغان أوفد لهذه المهمة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن، المسؤول عن "الملف الإسرائيلي" في تركيا، والذي عرف كيف يخاطب قيادة حماس.

وُجّهت إلى المنظمة إنذارات شبه نهائية:

إذا لم توافقوا على خطة ترامب، فأنتم منتهون. ستُطرَدون من الدوحة ومن إسطنبول، وستُنبذون في العالم العربي.
إسرائيل أثبتت أن الإقامة في إيران ليست آمنة. هذه فرصتك الأخيرة للنجاة.

في المقابل، تلقّت حماس ضمانة أميركية لقطر وتركيا بأن إسرائيل لن تجدّد إطلاق النار بعد تحرير الأسرى.

الرئيس الأميركي، الذي يكره الحروب، دفع نقدًا لقطر وتركيا وربما لمصر أيضًا، وفي المقابل حصل على "حزام نار دبلوماسي" حول حماس، جعلها غير قادرة على المناورة. بالنسبة للمنظمة، كان الأمر مسألة حياة أو موت.

وهكذا نجح ترامب في تحقيق هدفه: إجبار حماس على قول "نعم".

ما الذي جعل إسرائيل توافق؟

المشاركة العربية الواسعة ضمنت أيضًا أن أحلام بعض الإسرائيليين بطرد سكان غزة وإقامة مستوطنات لن تتحقق.

ربما لم يكن إقناع نتنياهو بذلك صعبًا، خصوصًا بعدما بدا أن حتى أكثر المتشددين في حكومته – مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير – أدركوا أن الحديث عن مستوطنات في هذه المرحلة غير واقعي.

الضغط الدولي غير المسبوق ألحق ضررًا بالغًا بإسرائيل: اعترافات بالدولة الفلسطينية، مظاهرات ضخمة، هجمات ضد الجاليات اليهودية، عقوبات، وغيرها من العوامل – بعضها نُفّذ فعليًا، وبعضها كان مجرد تهديد.

إسرائيل، التي وجدت نفسها في عزلة شبه تامة، رأت أن الموافقة على الصفقة أسهل، حتى وإن لم تكن مثالية.

ترامب عرف أن نجاحه في إطلاق جميع الأسرى دفعة واحدة سيُعدّ إنجازًا كبيرًا لإسرائيل، حتى لو لم تتخلّ حماس عن سلاحها، ولم تُنزع الأسلحة من غزة.

يمكن القول إن هناك صفقة غير معلنة:

ستحصلون على جميع الأسرى، ولا تُصرّوا على نزع السلاح فورًا.

في الوقت الراهن، نزع السلاح لن يحدث غدًا – وسيتطلب صبرًا. لكن بعد 7 تشرين الأول، الجميع يدرك أن إسرائيل لن تقبل مجددًا بواقع يسمح لحماس ببناء جيش على حدودها.

عوامل إضافية – وأسباب للتفاؤل

بطريقة ساخرة، كانت جائزة نوبل للسلام دافعًا مهمًا في نجاح الصفقة. يبدو أن جميع الأطراف بذلوا جهودًا خارقة لإرضاء ترامب، خشية أن يُلقي باللوم في فشل المفاوضات على أحدهم – وقد نجح ذلك بدرجة كبيرة.

وبطريقة ساخرة أخرى، لعبت الاعتبارات التجارية لعائلة ترامب ومقرّبيه، وكذلك لقادة تركيا وبعض الدول العربية، دورًا بارزًا أيضًا. ففي رؤية ترامب، يُفترض أن تتحول إعادة إعمار غزة إلى مشروع مربح ضخم، ولكل الأطراف مصلحة في أن يكونوا جزءًا منه.

على خلاف الصفقات السابقة، التي استغلّتها حماس لإعادة التسلّح وإقامة عروض دعائية حول إطلاق الأسرى، تقول إسرائيل إن هذه المرة يفترض أن تكون مختلفة.

الصفقة، في مراحلها التالية التي لم تُغلق بعد، يُفترض أن تضمن ألا تكون حماس جهة حاكمة في القطاع – لكن هذه التفاصيل ما زالت مفتوحة.

إحدى المؤشرات على أن الأمور تسير في الاتجاه الإيجابي هي سلوك حماس الحالي:
فغالبًا ما كانت تُحدث أزمات في اللحظة الأخيرة من المفاوضات لإرهاق إسرائيل نفسيًا ومعنويًا،
لكن هذه المرة تبدو أضعف من أي وقت مضى – وباستثناء بعض المناورات التفاوضية البسيطة، يبدو أن الاتفاق أصبح أمرًا واقعًا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025