إسرائيل عالقة في وحل غزة

القناة 12 

يسرائيل زيڤ

*خوف نتنياهو يُبقي إسرائيل عالقة في وحل غزة* 

رئيس الوزراء فوّت فرصة هائلة في قمة شرم الشيخ، وهرب منها بسبب اعتبارات سياسية داخلية • إسرائيل ما زالت عالقة في "وحل غزة"، بينما حماس تنمو من جديد دون عائق في المنطقة الخاضعة لسيطرتها • وحده وجود قوة عربية انتقالية متعددة الجنسيات يمكن أن يُخرج إسرائيل من هذا المأزق — ويجعل حماس تتخلى حقا عن سلاحها.

لا يضيع نتنياهو أية فرصة لتفوِيت الفرص. قمة شرم الشيخ كانت فرصة هائلة، لكن نتنياهو خاف منها. مثل طفلٍ مذعور هرب من القطار الذي أجبره ترامب على ركوبه، فرّ نتنياهو من فرصة فرضها ترامب على إسرائيل، لكن زعيما حقيقيا ما كان ليفوّت فرصة كهذه لقيادة تغيير سياسي إقليمي كبير. لكن نتنياهو لم يفعل، و"الشرق الأوسط الجديد" الذي تحدث عنه ترامب — بقي على حاله القاحل. إسرائيل "اختارت" بغيابها أن تكون في مرتبة مساوية لحماس. تركت الآخرين يقودون، وهم الآن يقرّرون عنها كما يقرّرون عن أعدائها. يا للعار.

الإخفاق الضخم الذي رافق الحرب كلها يتكرر الآن أيضا. في إيران حققنا إنجازات عسكرية ممتازة، لكن في ظل انعدام الدبلوماسية لم تُخلق الظروف للتسوية، فعادت إيران لتتسلح من جديد. وفي سوريا، حيث ظهرت فرصة ذهبية بعد سقوط بشار الأسد المفاجئ، فضّلت إسرائيل الاحتفاظ بعدة مواقع عديمة الأهمية بدل ترجمة تلك الفرصة إلى إنجاز سياسي كبير.

في لبنان، و لولا أن الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن فرض على إسرائيل ترتيبا جديدا، لما أقدمت الحكومة على أي خطوة سياسية. كانت تفضّل التستر بسردية "نجاح" اغتيال نصر الله — الذي حدث صدفة بعد امتناع الحكومة عن الدخول في الحرب هناك قرابة عام. لحسن الحظ، تدخل بايدن حينها منع انضمام حزب الله إلى هجوم حماس بعبارته الشهيرة "Don't"، وهو ما أتاح لإسرائيل في نهاية العام تحقيق ضربة قاسية لحزب الله.

*قفزة نتنياهو لم تُفضِ إلى شيء* 

كان يمكن التوصل إلى الاتفاق الحالي مع حماس منذ يونيو من العام الماضي، بل إن الاتفاق الآن، بعد تعديل بعض الخطوط، يشبه إلى حدٍّ كبير اقتراح نتنياهو من نهاية مايو 2024، وهو المقترح الذي استندت إليه جميع المبادرات الأمريكية — من بايدن ثم ويتكوف. في ذلك الوقت، ورغم استعداد حماس الدائم لإطلاق سراح جميع الأسرى مقابل وقف الحرب وتقديم ضمانات، كان نتنياهو هو من أدخل نظام المراحل، الذي خدم هدفين: تقليص عدد الأسرى المحتجزين — وهو ما خفف الضغط الناتج عن المظاهرات — ومن جهة أخرى الاستمرار في الحرب التي كانت تخدم بقاء الائتلاف وتأجيل محاكماته.

وفوق ذلك، فإن تحميل حماس المسؤولية — كما يتضح الآن أنها كانت بالفعل مستعدة لإعادة الأسرى مقابل وقف الحرب — كان وسيلة لتبرير استمرار الحرب. لكن الخرق الفاضح أحادي الجانب الذي قامت به إسرائيل في فبراير الماضي، دون التطرق إلى "المرحلة الثانية"، أدى إلى فقدان الثقة الدولية بها وانهيار مكانة إسرائيل سياسيا، وارتفاع شأن الفلسطينيين إلى حد صدور "إعلان نيويورك" الذي أيدت فيه 142 دولة إقامة دولة فلسطينية.

ذهب نتنياهو متبخترا إلى البيت الأبيض بعد خطابه التوبيخي أمام قاعة شبه فارغة في الأمم المتحدة، حيث مجّد حرب إسرائيل ضد الإرهاب دون أن يذكر ولو مرة واحدة إنهاء الحرب. وبعد ثلاثة أيام فقط، وقع في كمين مزدوج وخرج باعتذارٍ علني ومهين أمام قطر، ثم بخطاب "استسلام" حول إنهاء الحرب.

إن كان لدى أحد شك بأن نتنياهو قد أجرى تحولا حقيقيا — من "النصر الكامل" إلى "السلام السامي" — جاءت لحظة هروبه من قمة شرم الشيخ لتؤكد أنه لم يتغير. لقد صعد بالخطأً طابقا آخر مع ترامب إلى "الشرق الأوسط الجديد"، وما إن أنهى الأخير خطاب "العفو" في الكنيست، حتى عاد أدراجه إلى القبو السياسي، حيث لا يُفعل سوى ما يُضطر إلى فعله، ويُكتفى باختلاق القصص.

نتنياهو ليس على ما يبدو البطل من خطاب ويتكوف في الميدان، عن القادة الشجعان القادرين على السمو وإحلال السلام. بل ينتمي إلى الجانب الصغير والخائف، الذي يختبئ منذ عامين خلف إنجازات الجيش ولا يتخذ أي مبادرة أو قرار سياسي. رئيس حكومة "قرون المذبح" عالق الآن تماما في مكانه، لأن التقدم يحتاج إلى مبادرة، وهو بارع فقط في إلقاء اللوم والاتهامات.

*نصف غزة بقيت محصنة* 

إسرائيل لا تستطيع العودة إلى الحرب، لأن ترامب أعلن علنا عن انتهائها. لم تُعِد إسرائيل أي خطة لـ"اليوم التالي"، ونتج الآن فراغ خطير في غزة. تمركز الجيش الإسرائيلي في المناطق المسيطرة لا يحقق سوى رؤية أوضح للإخفاق الذي سمح لحماس بالخروج من مخابئها والعودة إلى الميدان.

القصة الجديدة ليست أننا نسيطر على 53% من قطاع غزة، بل إن حماس تمتلك نصف القطاع محصنا من خطر قواتنا. لقد بدأ قادتها باكتساب الصحة مجددا بفضل 600 شاحنة إمدادات يوميا، ولم يعودوا يترددون في اختبار الحدود، بما في ذلك تأجيل إعادة جثامين الجنود الإسرائيليين الذين التزمت حماس بإعادتهم، وذلك لكسب الوقت وخلق أوراق ضغط إضافية استعدادا للمرحلة القادمة.
أما إسرائيل، فهي محصورة داخل القطاع، ويدها إلى حد كبير مقيدة خلف ظهرها مع قلة في أوراق الضغط.

فيما يتعلق بإعادة جميع الجثامين، يجب على إسرائيل أن تصر بشدة دون أي تنازل، بل وأن تهدد بالتنسيق مع الأمريكيين حتى بإنذارٍ نهائي يعيد سياسة الاغتيالات.
ومع ذلك، يجب الاعتراف بالحقيقة — هناك صعوبة حقيقية في تحديد أماكن الجثامين؛ فالأرض مدمرة إلى حد كبير ومليئة بالأنقاض نتيجة القصف المكثف ومناورات الجيش هناك، كما أن بعض الحراس قُتلوا، وفوق ذلك فإن الاتفاق غير محدد زمنيا بوضوح.

*التحرك بسرعة – ما دامت حماس لا تزال ضعيفة.* 

و فيما يتعلق بالمراحل القادمة التي تخص مستقبل القطاع من دون وجود حماس، المشكلة أكبر بكثير — لا توجد خطة حقيقية، و إسرائيل تمتلك أربع أوراق ضغط فقط:

1. تقليص أو وقف المساعدات الإنسانية،

2. الامتناع عن انسحابات إضافية،

3. منع عملية إعادة الإعمار،

4. واستخدام ضغط أمريكي لإبعاد القيادة الخارجية لحماس.

لكن بما أن حماس منظمة جهادية أصولية، فهي لا تريد فعلا أن تختفي من الساحة، ولذلك فهذه الأوراق قد لا تكون فعّالة فعلاً.
يمكن أن تختار حماس الاستمرار في حكم القطاع رغم معاناة السكان، حتى في الظروف المأساوية الراهنة، من دون أي إعادة إعمار.

*الحل الوحيد المنطقي* 

الحل الوحيد المعقول لإجبار حماس على نزع سلاحها هو نشر قوة عربية متعددة الجنسيات مؤقتة تعمل كـ"قوة انتقالية"، تتكون في معظمها من قوات مصرية، تتولى السيطرة على المنطقة بما في ذلك المناطق التي من المفترض أن ينسحب منها الجيش الإسرائيلي تدريجيا.
هذه القوة العربية ستدخل تحتها قوات شرطة فلسطينية – غير تابعة لحماس – لتفرض السيطرة على الأرض وتمنع حماس من العودة.

لكن يجب تنفيذ ذلك بسرعة كبيرة، ما دامت حماس ضعيفة ولا تستطيع المقاومة.
وفي الوقت نفسه، يجب تشكيل حكومة انتقالية تكنوقراطية لإدارة القطاع بسرعة، تحت إشراف لجنة السلام برئاسة ترامب، وتزويدها بموارد حقيقية لتدير حياة السكان وتجعلهم يلتفون حولها ويتخلّون عن حماس التي تسببت في معاناتهم.

لكن السير نحو قوة عربية مشتركة كهذه، التي يمكن أن تُطبّق خطة ترامب المكونة من 20 بندا، سيُربك السردية التي يبثها نتنياهو، والتي تقول إن الحديث هو فقط عن انسحاب جزئي، وليس تنازلا حقيقيا من جانب إسرائيل.
وفوق ذلك، فإن التقدم في تنفيذ الاتفاق سيؤدي في نهاية المطاف إلى سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة، وهو ما يتعارض مع أجندة شريك نتنياهو، بتسلئيل سموتريتش، الذي لا يريد الوصول إلى هذا الوضع، حتى ولو بعد سنوات.

وبما أن الاتفاق يتعارض فعليا مع الرغبة الحقيقية لكل من الحكومة الإسرائيلية وحماس، فإن النتيجة المحتملة أمامنا هي الجمود التام — أي بقاء الوضع على حاله، بما في ذلك تورط إسرائيل في وحل غزة، وإمكانية نمو حماس تدريجيا من جديد.
كل شيء الآن يعتمد على الضغط الأمريكي والضغط العربي لتنفيذ الاتفاق، وفي المرحلة الأولى على تحويل “الثقوب إلى جبن” — أي وضع خطة كاملة لتطبيق المبادئ عمليا على الأرض.
اختبار ترامب الحقيقي ليس في خطاب الود والصداقة في الكنيست، بل في تنفيذ خطته ميدانيا.

لا يمكن في هذه الساعة التي تشهد ارتياحا وطنيا كبيرا — مع عودة الأسرى، ورغم أن آخر جثمان لم يُستعد بعد — إلا أن نُعبّر عن تقديرٍ عميق لعائلات الأسرى على نضالهم الذي تحول إلى نضال وطني للجميع.
إنه نضال حازم سيُذكر في التاريخ كمن حافظ على الهوية الوطنية والقيمية لدولة إسرائيل ووحدتها الحقيقية.

يجب تقدير الجيش الذي حارب سنتين كاملتين دون توقف من أجل الهدف الأسمى: تحرير الأسرى.
ويجب احتضان العائلات الثكلى التي دفعت أغلى ما تملك – أبناءها الأبطال الذين هاجموا بشجاعة دون تردد،
وكذلك تقدير الجرحى والمصابين نفسيا الذين يحتاجون إلى سنوات طويلة من إعادة التأهيل.

وأيضا تقدير خاص لشخص مميز مثل نتسان ألون، رجل نبيل لم يتخلَّ عن هدفه في إعادة الأسرى إلى الوطن.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025