صحيفة هآرتس
ترجمة حضارات
غيدي فايتس
منظمة الجريمة التي تدير (إسرائيل) لم تتوقف عن العمل يوماً، لكنها خلال العامين الماضيين اضطرت إلى تخصيص اهتمامها للحرب، مما قلّل من قدرتها على تفكيك مؤسسات الدولة. الآن، بعد أن خمدت النيران، عاد أتباعها ليُظهروا ولاءهم الكامل للزعيم – رئيس الحكومة.
قبل أن تطأ أقدام الأسرى المحرَّرين أرض البلاد، حرص "الجندي" أمير أوحانا على إقصاء رئيس المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة عن مراسم استقبال دونالد ترامب، واستبدلهما بالمحسنين المقرّبين من نتنياهو، مثل عائلة فاليك وشخصيات شكلية كبنينا روزنبلوم. ثم زاد أوحانا الطين بلّة حين هاجم القاضي يتسحاق عميت والمستشارة غالي بهراب-ميارا بذريعة واهية هي "صون كرامة الكنيست"، في حين كانت غايته تملّق القاعدة الشعبية، وانضم إليه سريعاً باقي "الجنود".
أما ياريف ليفين، الذي يتحمل قسطاً كبيراً من مسؤولية إضعاف الدولة قبيل 7 أكتوبر، فأعلن أنه سيدفع بقانون يتيح لوزير الدفاع، يسرائيل كاتس، تجاوز المحكمة وإلغاء جلسات محاكمة نتنياهو إن رُئي أنها تمسّ "أمن الدولة" – بالتشاور مع ليفين نفسه. هذا الرجل الوقح والخطير قال إن استمرار المحاكمة "يتعارض مع العدالة ومصلحة الدولة"، وهي عبارة تلائم تماماً استمراره في وزارة العدل، كما تلائم بقاء الحكومة كلها.
خلال زيارة ترامب للكنيست هذا الأسبوع، بدا واضحاً من كلام الرئيس الأمريكي أن نتنياهو هو من حرّضه على دعوته المتعالية لرئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ كي يمنحه عفواً.
في محاكمات زعماء الجريمة المنظّمة كعمير مولنر ويوسي موسلي، يحضر "الجنود" إلى قاعة المحكمة ليثبتوا ولاءهم، ويشكّلوا جبهة موحدة، ويبثّوا الرعب في القضاة والصحفيين. على هذا النمط، حضر أمس إلى محكمة تل أبيب كل من أوحانا، نير بركات، ميكي زوهر، عيديت سيلمان، يوآف كيش، وشلومو كراعي. تركوا أعمالهم الوزارية ليقفوا إلى جانب المتهم نتنياهو، في استعراض ولاء سافر. صرّح وزير التعليم قائلاً: "آن الأوان لإلغاء المحاكمة"، وهو الذي لا يفوّت فرصة للتملّق لنتنياهو وزوجته سارة وابنه يائير.
رافقت المجموعة نتنياهو حتى في خروجه إلى الغرفة الجانبية، تارةً بعد تلقيه مغلّفاً وتارةً لاتصال عاجل، بينما كانت النائبة تالي غوتليب تقاطع الجلسة مراراً بصراخها المعهود. هذه المسرحية دليل إضافي على خوف المتهم، الذي لا يريد بأي شكل صدور حكم ضده – حتى من الهيئة القضائية "المريحة" التي استجابت أمس لطلبه تأجيل الجلسة بسبب "نزلة برد".
أما ترامب، فقد كشف بنفسه أن نتنياهو هو من وجّه إليه الطلب بالضغط على هرتسوغ للعفو عنه. فشخص يعتقد أن التهم ملفقة وأن براءته مؤكدة لا يحرّك رئيساً قوياً ضد رئيس ضعيف ليتجنب المثول أمام القضاء.
نتنياهو يعلم أنه أقرّ في التحقيقات بتلقيه إمداداً منظّماً من صناديق السيجار وزجاجات الشمبانيا من المليارديرين أرنون ميلتشن وجيمس باكر، وأنه اعترف بعد إنكارات طويلة بأنه طلب من ميلتشن شراء مجوهرات باهظة لزوجته، وأنه ضغط على مسؤولين أمريكيين لتجديد تأشيرة صديقه. كما يعلم أنه سُجّل وهو يتفاوض مع الناشر نوني موزس على صفقة فاسدة: سنّ قانون يدرّ على موزس أرباحاً ضخمة مقابل تغطية إعلامية متحيّزة لصالحه.
ويعرف أن شاؤول ألوفيتش، صاحب موقع "والا"، كان ينفّذ تعليماته ليل نهار لخدمته، وأن شلومو فيلبر، مدير وزارة الاتصالات المقرّب منه، عمل "كجاسوس" داخل الوزارة لصالح مجموعة بيزك. لذلك يشن نتنياهو منذ سنوات حرباً شاملة – حتى على حساب علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة – ليتجنّب المساءلة.
أحداث الأيام الأخيرة تذكير صارخ بهدف الحكومة الحقيقي: تنفيذ انقلاب نظامي لإنهاء محاكمة نتنياهو، وهو ما دفع إسرائيل إلى حافة الهاوية وخلق حرباً أهلية باردة أغرت العدو بالهجوم.
إن إنهاء المحاكمة هو الهدف المركزي لمنظمة الجريمة، لكنه ليس الوحيد. فاستبدال المستشارة بهراب-ميارا بمستشار موالٍ سيطوي ملفات قطر، وإيلي كوهين، ومي غولان، وسيمكّنهم من إقصاء "المتآمرين" داخل النيابة العامة.
الهدف التالي هو المحكمة العليا ورئيسها عميت، اللذان قد يعرقلان تنفيذ المخطط. فمحكمة عليا حازمة قد تفرض تشكيل لجنة تحقيق وطنية في إخفاق 7 أكتوبر، أو تلغي تشريعات تمسّ الانتخابات المقبلة. كما أن من مهامهم المقبلة قمع الاحتجاجات ضد الحكومة بالقوة، ويبدأ ذلك عبر التحريض: فقبل العيد انتشرت تسجيلات لمغرّد يُدعى "فريدي عَـلَـى الصباح" هدّد شاهدة الادعاء هداس كلاين قائلاً: "أدعو مجدداً إلى قتل جميع اليساريين أبناء العاهرات"، في إشارة واضحة إلى ما يقصده نتنياهو وأتباعه حين يتحدثون عن "الوحدة". أجهزة إنفاذ القانون المنهارة لم تتحرك بعد.
المرحلة الأولى من "صفقة ترامب" منحت لحظة ارتياح مؤقتة عند رؤية الأسرى الأحياء يعودون إلى عائلاتهم، لكن الارتياح الحقيقي لن يتحقق إلا عندما يزول من السلطة أولئك الذين كانت الكارثة في عهدهم، والذين داسوا على الديمقراطية الإسرائيلية وحوّلوا البلاد إلى دولة منبوذة يشعر فيها كثير من مواطنيها كأنهم منفيون داخل وطنهم.