المصدر: معاريف
ترجمة حضارات
آفي أشكنازي
بحسب خبراء المناخ، قد تغرق غزة في أعماق البحر إذا لم يُراعَ في الإعمار مسألة الاحترار وارتفاع مستوى سطح البحر. ويحذرون قائلين: "الخطر ليس نظرياً".
بعد إعادة الأسرى والقتلى، يُفترض أن تُفتَح المرحلة الثانية من المفاوضات، والمتوقَّع أن تتناول شكل غزة في اليوم التالي. إلى جانب الترتيبات الأمنية، ونزع سلاح حماس، وإدخال منظومة حكم جديدة، ورسم خطوط سيطرة إسرائيل على أجزاء من فضاء القطاع، وغير ذلك—تُطرح أيضاً قضية شديدة الدراماتيكية: إعادة بناء قطاع غزة.
وفق التقديرات، حجم الضرر اللاحق بالمباني في غزة هائل: عشرات آلاف المباني والمنازل هُدمت ودُمّرت، وعشرات آلاف أخرى في حالة دمار جزئي—وكثير منها لا يمكن إعادته للاستخدام أو السكن. بالتوازي، حجم تدمير البنى التحتية يكاد يكون كاملاً، ويشمل شبكات الطرق والأرصفة التي دُمّرت، إضافةً إلى ضرر شبه تام في منظومات نقل المياه والكهرباء والمجاري.
إلى جانب هذا الضرر الكبير، الذي سيستغرق وفق التقديرات سنوات طويلة لإصلاحه، ثمة مشكلة دراماتيكية إضافية تتطلّب من المخططين تفكيراً شديد التعقيد. عشية الحرب في غزة، قبل أكثر من عامين، أعدّت شعبة الاستخبارات العسكرية للجيش تقريراً خاصاً بشأن الاحترار العالمي وتغيّر المناخ وتأثيرهما على حوض الشرق الأوسط. كيف يرتبط تغيّر المناخ بقضايا الجيش؟ وما علاقة "أمان" بالموضوع؟ كل التوقعات والأبحاث حتى عام 2023 أشارت إلى أنه حتى نهاية القرن الحالي سترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمتوسط سنوي قدره ست درجات مئوية. والمعنى—ارتفاع ملحوظ في حرارة البحر المتوسط وارتفاع مستوى سطح البحر بنحو نصف متر على الأقل.
معنى ذلك: غمر مدينة غزة وتحولها إلى ما يشبه "البندقية الخاصة بحوض الشرق" من البحر المتوسط. لهذه القضية تبعات بعيدة المدى، أولها نقص فوري في مياه الشرب العذبة في غزة، بسبب تسرب مياه البحر المالحة إلى حوض المياه الساحلي. ومن المهم الإشارة إلى أن عملية تسرب المياه المالحة إلى حوض ساحل غزة قد بدأت فعلاً في أماكن معينة بسبب الضخّ المفرط.
أحد أكبر خزانات المياه العذبة في غزة يقع في منطقة المواسي—وهي النقطة الأكثر انخفاضاً في القطاع. إن ارتفاع مستوى البحر سيغمر المواسي فوراً، وهي أيضاً أكبر مساحة زراعية في غزة والمسؤولة عن معظم الإنتاج المحلي من الخضراوات والفواكه. كذلك من المتوقع، وفق السيناريوهات، أن تنهار منظومات الصرف الصحي في غزة بسبب ارتفاع مستوى البحر.
في إسرائيل، أعربوا عن خشية من أن تؤدي أزمة المناخ إلى حركة فورية لعشرات الآلاف من الغزيين نحو إسرائيل ومصر، بل وإلى خلق أزمة صحية وبيئية من بين الأشد خطورة. يقول البروفيسور عوديد بوتشتر، وهو خبير مناخ من المعهد التكنولوجي في حولون (HIT): "إن إعمار فضاء قطاع غزة يجب أن يأخذ بالحسبان مسألة أزمة المناخ وارتفاع مستوى البحر المتوسط".
في منظومة الأمن، يدركون أيضاً أن الموضوع يجب أن يُطرح فوراً خلال المرحلة الثانية من المحادثات. صحيح أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب يحلم بـ"ريفيرا أميركية" في غزة، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش يرى أن الحديث يدور عن مساحة عقارية ليست أقل من "ضربة حظ"، لكن في إطار أعمال الإعمار سيتعيّن على المخططين تنفيذ عمليات هندسية معقدة لمنع غرق أحياء غزة في أعماق البحر.
وبحسب البروفيسور بوتشتر، لا يدور الحديث عن توقعات خيالية. فهو يذكر أنه في السنوات الأخيرة، التي اتسمت بأمطار وعواصف قوية على نحو خاص، سُجّلت في البحر المتوسط أمواج وصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار—تسببت بأضرار في ميناء تل أبيب وأجبرت السلطات المحلية في أشدود وريشون لتسيون وتل أبيب على إقامة سدود حماية من تلال رملية على امتداد الشواطئ لمنع الفيضانات. وبقوله، لم تنجح كل السدود العالية في منع ضربات أمواج البحر.
ويضيف الباحثون أيضاً أن تسجيل موسمي صيف حارين بصورة استثنائية خلال السنتين الأخيرتين، حيث حُطمت أرقام قياسية لدرجات الحرارة، يُسارع من وتيرة احترار البحر وقد يُقصّر من جداول التوقعات.
خط الساحل الجديد لغزة: هل تتحول أنقاض البناء إلى جدار حماية مقابل البحر؟
واحد من الأفكار التي تتبلور وتُفحَص هو استغلال مشكلة أخرى، ليست أقل صعوبة، وقد توفّر بالذات حلاً إبداعياً لإعمار القطاع ولمتطلبات الأمن الإسرائيلية. يقول البروفيسور بوتشتر: "في غزة حجم الدمار هائل، ولا توجد طريقة لنقل أنقاض المنازل إلى خارج القطاع"، ويقترح أنه يمكن نقل الأنقاض إلى داخل البحر قبالة شواطئ غزة، وخلق خط ساحل جديد—سيتحرك غرباً ويُبنى فوق مستوى سطح البحر المتوقع ارتفاعه في السنوات المقبلة. توسّع غزة غرباً سيسمح، بحسب قوله، بالتعويض عن المساحة التي يُتوقع أن تصادرها إسرائيل لاحتياجات أمنية في منطقة المحيط الشرقي للقطاع وفي ممر فيلادلفيا. كما أن التوسعة ستمنع غرق غزة تحت مستوى البحر.
وبحسب المقترح، الذي لم يطرحه أكاديميون فقط، سيكون بالإمكان بناء بنى تحتية للصرف الصحي، وخزانات مياه، ومحطات معالجة مياه عادمة، بحيث يمكن الاستمرار في إدارة الحياة في غزة حتى في حال ارتفاع مستوى البحر. يذكّر البروفيسور بوتشتر بأن خطوة مشابهة نُفذت في السنوات الأخيرة في بيروت، عاصمة لبنان: بعد الحرب الأهلية جُفّف مقطع كبير من البحر قبالة شواطئ المدينة باستخدام أنقاض المباني التي انهارت في الحرب. وقد خضعت مخلفات البناء للمعالجة واستُخدمت لتجفيف مساحة بحرية واسعة.
وفي إسرائيل نُفذت خطوات مشابهة أيضاً—في شاطئ "عَلياه" بيافا وفي متنزه "تشارلز كلور" في تل أبيب—حيث بُنيت أجزاء كبيرة من المناطق على مخلفات بناء خضعت لمعالجة خاصة. هذا الأسبوع فُحصت في إسرائيل تقارير "أمان" ما قبل الحرب، التي تناولت تأثير الاحترار العالمي وأزمة المناخ على غزة، تمهيداً للاستعدادات للنقاشات حول المرحلة الثانية من المفاوضات، المتوقع عقدها في الأسابيع—وربما الأشهر—القادمة.
وفي سياق متصل، أرفق رئيس الأركان صباح اليوم رسالة في الذكرى السنوية الثانية لأحداث السابع من أكتوبر:
"جنود الجيش الإسرائيلي وقادته في الخدمة الإلزامية والدائمة والاحتياط، والموظفون المدنيون في الجيش—نلتئم اليوم برؤوس منحنية وقلوب دامية لنتوحّد مع ذكرى قتلى المجزرة الرهيبة التي حلّت بنا في الثاني والعشرين من تشري تشرين الأول سنة 5784، يوم عيد بهجة التوراة، السابع من أكتوبر 2023.
"مع طلوع الفجر اختُرقت حدودنا، واجتاحت الحرب عتبة بيوتنا وبذرت في حقول النقب ناراً وقتلاً وثكلاً. اليوم، في تمام السنتين، تتوقف الأمة كلها متألمة ومُتحدّية—على الجنود، خيرة أبنائنا وبناتنا، الذين جادوا بأنفسهم وسقطوا في المعارك؛ وعلى مقاتلي قوات الأمن والإنقاذ الذين حاربوا كتفاً إلى كتف إلى جانب قواتنا؛ وعلى الأطفال والنساء والرجال الذين قُتلوا بوحشية—على الجميع نطأطئ رؤوسنا. الجميع نذكرهم.
"من قلب الانكسار نهض شعب إسرائيل بعظمته وبقوته، توحّد وخرج للدفاع عن البيت—مقاتلو الخدمة النظامية، كتائب الاستنفار، القادة وأفراد الخدمة الدائمة، المواطنون وموظفو الجيش من شتى الأذرع والقيادات، يقاتلون بإخلاص إلى جانب مقاتلي الاحتياط. أحرزنا إنجازات غير مسبوقة في الجنوب والشمال، في يهودا والسامرة، على خطوط التماس وفي الساحات البعيدة؛ من مضائق اليمن وحتى عمق أراضي إيران—سنواصل إحباط التهديدات في طور تشكّلها والوقوف على حراسة وطننا. طريقنا هي طريق النصر—الجيش الإسرائيلي هو من يصوغ وجه المعركة وي