معاريف
ترجمة حضارات
ران يشاي
أحد أبرز الأسرى وأقلهم شهرة، والمتوقع إطلاق سراحهم ضمن صفقة التبادل بين (إسرائيل) وحماس، هو خالد صباح، أحد سكان حي صور باهر في القدس، والذي من المتوقع عودته إلى المدينة دون ترحيل، خلافًا للعديد من زملائه الأسرى. والسبب في ذلك أن صباح لم يُدان بقتل أحد، ولم تتمكن (إسرائيل ) من توجيه سوى تهمة غسل الأموال إليه. ومع ذلك، فإن خالد صباح ليس مجرد مجرم مالي بريء، بل يُعد الممول المسؤول عن تمويل عمليات حماس في القدس، وعن بناء البنية التحتية للمنظمة في المدينة.
قبل نحو أربع سنوات، زار صباح تركيا مع عائلته في رحلة بدت عائلية بريئة، لكنها كانت تهدف إلى غرض مختلف تمامًا. خلال إقامتهم هناك، التقى صباح وابناه، منيب ومصعب، بكبار مسؤولي حماس العاملين في تركيا، دون تدخل وبالتنسيق مع جهاز الاستخبارات التركي (MIT). وكان من بين المشاركين في الاجتماعات جهاد يعمور – أحد قتلة الجندي نحشون واكسمان، الذي أُطلق سراحه في صفقة شاليط، ويترأس الآن جمعية تركية تُدعى "قتاد"، ويشغل منصب ممثل حماس لدى الاستخبارات التركية – إلى جانب محمود عطون، وموسى عكاري، وزكريا نجيب، وجميعهم أُطلق سراحهم في صفقة شاليط ونُفوا إلى تركيا.
حوّل هؤلاء القادة مئات الآلاف من الدولارات إلى صباح، والتي كان من المقرر نقلها إلى إسرائيل لتمويل إنشاء البنية التحتية لحماس في القدس والأراضي الإسرائيلية. وكان من المفترض أن يتولى صباح بنفسه تنسيق النشاطات الإرهابية. خلال الزيارة، خضع أبناؤه لتدريبات على الرماية، وتلقى الثلاثة تعليمات بشراء أسلحة عند عودتهم إلى إسرائيل، استعدادًا لشهر رمضان، بهدف إشعال النار في القدس خلال الشهر الكريم، كما هو معتاد في حملات حماس التحريضية السنوية.
بعد عودته إلى (إسرائيل)، حوّل صباح آلاف الدولارات إلى رامي فاخوري، وهو أيضًا من سكان القدس وعضو في تنظيم "شباب الأقصى" – الجماعة التي قتلت الشرطي يوسي كيرما.
صباح، الذي عُيّن مسؤولًا ماليًا لحماس في القدس عام 2019، أخفى أنشطته من خلال جمعية تُدعى "زكاة القدس" الخيرية، والتي كانت مكاتبها تعمل في الحرم القدسي الشريف حتى أغلقتها الشرطة. أصدرت المحكمة أمرًا بحل منظمة إسرائيلية تحمل اسمًا مشابهًا، وبعد مداهمة الشرطة للمكاتب، عُثر على مبالغ نقدية كبيرة مصدرها تركيا. ووُجهت إلى المنظمة لائحة اتهام للاشتباه بتحويلها عشرات الملايين من الشواكل لتمويل أنشطة حماس في المدينة. أُلقي القبض على صباح نفسه، الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي للمنظمة، عندما عُثر على مئات الآلاف من الدولارات نقدًا في منزله – نتيجة زيارته الأخيرة لتركيا.
لا يُحرّك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرم الإسلام حين يسمح بتحويل هذه الأموال إلى حماس في القدس، ولا روح الأخوة الإسلامية وحدها حين يسخّر جهاز استخبارات بلاده للتعاون مع حماس. فرغم انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين – مثل حماس – إلا أن ما يُحرّكه هو طموحات شخصية وقومية تركية لا يُخفيها. أردوغان، الذي يطمح للعودة إلى عهد الإمبراطورية العثمانية حين كانت تركيا قائدة العالم الإسلامي، يتوق إلى السيطرة على رموز دينية ذات مغزى تعزز مكانته. في العالم الإسلامي السني، هناك ثلاث رموز كهذه: مكة المكرمة، المدينة المنورة، والقدس.
لا يسعه إلا أن يحلم بمكة والمدينة في السعودية – فقد ولّت أيام حكم تركيا لشبه الجزيرة العربية إلى الأبد. ولذلك يُركّز أردوغان جهوده على القدس. فتصريحاته حول "حل الدولتين"، الذي تكون فيه القدس عاصمةً للدولة الفلسطينية، لا تهدف إلى منح الفلسطينيين سيطرة حقيقية على المدينة، بل إلى جعله – الطامح للعودة إلى منصب السلطان – الراعي والحاكم الفعلي للقدس والحرم القدسي.
هذا هو سبب خطابه المتكرر عن "استقلال فلسطين" – فالإخوان المسلمون، ومنهم حماس، لا يهتمون بدولة فلسطينية، بل بإقامة خلافة إسلامية، كما كانت في عهد الدولة العثمانية حتى ما قبل قرن تقريبًا. بالنسبة لأردوغان، هذه وسيلة لتحقيق أهدافه الجامحة، ولهذا الغرض، فهو مستعد لتسخير المال والسياسة والأمن التركيين من خلال حماس أو السلطة الفلسطينية أو أي كيان آخر يُسهم في تحقيق رؤيته.
ويُعد خالد صباح، الذي من المتوقع أن يعود قريبًا لإدارة أنشطة حماس في القدس، أحد المفاتيح الرئيسية والأخطر في مخططات أردوغان لمستقبل المدينة.