صحيفة "معاريف"
اموقع "معاريف أونلاين"
بعد سقوط نظام بشار الأسد وتأسيس نظام سُنّي إسلامي بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تحوّلت سوريا إلى ساحة صراع جديدة، ولكن هذه المرة عبر "عملة مختلفة": الاستثمارات في إعادة الإعمار.
بحسب تحليل للخبير يعقوب لابين من "معهد ألما"، فإن حكومة "الانتقال"، التي تبدو أكثر فأكثر كحكم استبدادي دائم، طرحت رؤية طموحة لـ"سوريا جديدة" في خطاب الرئيس الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.
يقول الشرع إن هدفه "طي صفحة الماضي البائس" وإعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي، لكنه في الواقع يبني جيشًا يضمّ ميليشيات سنّية جهادية مدعومة من تركيا، في حين ترتكب قواته مجازر ضد الأقليات الدرزية والعلوية. وفي التعليم، تُظهر مقاطع مصوّرة من مدارس دمشق معلمين يدرّسون الأطفال أنّ "القرآن هو الدستور" وأن "تحرير المسجد الأقصى" هو الهدف الوطني.
تكلفة إعادة الإعمار تُقدَّر بين 250 و400 مليار دولار، وقد تصل إلى 900 مليار، ما يجعل دمشق تعتمد كليًا على التمويل الأجنبي. هذا الواقع خلق، بحسب لابين، مزيجًا جيوسياسيًا جديدًا تتنافس فيه قوى إقليمية ودولية عبر وعود بمليارات الدولارات للاستثمار في البنية التحتية والطاقة والمال مقابل نفوذ سياسي واقتصادي.
حملة دبلوماسية لرفع العقوبات
منذ تولّيه الحكم، يقود الشرع حملة دبلوماسية واقتصادية منسّقة لكسب شرعية دولية ورفع العقوبات عن سوريا. إدارة ترامب استجابت جزئيًا، ورفعت بعض العقوبات في 30 يونيو 2025. كما قام وزير الخارجية أسعد شبياني بزيارة تاريخية لواشنطن لمناقشة خارطة طريق لإلغاء العقوبات. في الوقت ذاته، أُنشئت في دمشق لجان "عدالة انتقالية" وبحث عن المفقودين، لكنها شكلية وفق لابين.
الدستور الانتقالي الذي أُقر في مارس 2025 منح الرئيس صلاحيات واسعة، وأجّل الانتخابات في المناطق الكردية والدرزية بدعوى "الظروف الأمنية"، مما عزّز مخاوف من قمع سياسي وغياب الشفافية.
سوريا الجديدة: ساحة معركة اقتصادية
يرى لابين أن النظام يركّز على الاستقرار الاقتصادي لا الإصلاح السياسي. أنشأ "صندوق التنمية السوري" لجذب استثمارات كبرى مثل ماستركارد، في محاولة لإقناع الغرب بتجاهل القمع الداخلي مقابل الانفتاح الاقتصادي. لكن غياب الرقابة يجعل الصندوق أداة بيد الرئيس، ويثير شبهات فساد.
الصراع الأبرز يدور بين الخليج وتركيا:
قطر، الداعمة التاريخية للإخوان المسلمين، تعهّدت باستثمار أكثر من 7 مليارات دولار في مشاريع الطاقة.
السعودية خصصت 6.4 مليارات لمواجهة النفوذ القطري والإيراني.
تركيا تستغل قربها الجغرافي وقوتها الصناعية للاستحواذ على مشاريع المطارات والطاقة، وتستخدم تغلغلها الاقتصادي كأداة نفوذ أمني وسياسي، خاصة ضد الأكراد شمال سوريا.
تحولات إقليمية
سقوط نظام الأسد شكّل ضربة قاسية للمحور الإيراني الشيعي؛ الاستثمارات الإيرانية بمليارات الدولارات تبخّرت، والممر البري إلى حزب الله انقطع. روسيا بدّلت نهجها وركّزت على الاحتفاظ بقاعدتيها في طرطوس وحميميم، لكنها فقدت بعض امتيازاتها الاقتصادية بعد أن منحت دمشق عقود الموانئ لشركة "دي بي وورلد" الإماراتية بدل "سترويترانسغاز" الروسية.
في أكتوبر 2025، زار الشرع موسكو لتطبيع العلاقات ومناقشة الأمن وإعادة الإعمار، وطلب تسليم بشار الأسد المخلوع. وأعلن استمرار الوجود الروسي للمساعدة في تقليص النشاط الإسرائيلي في الجنوب.
استنتاج:
يقول لابين إن الحكومة السورية الجديدة تركز علنًا على التنمية الاقتصادية وجذب الأموال الخليجية والغربية، لكنها تُخفي تحت السطح أيديولوجية جهادية ناشطة. ومع ضعف المحور الإيراني، ينشأ "هلال سني" جديد تقوده تركيا وقطر، لا يميل لا إلى إسرائيل ولا إلى الغرب.
تركيا، التي ما زالت على عداء مع إسرائيل، تعزّز قبضتها في شمال سوريا عبر أدوات اقتصادية وأمنية، في خطوة قد تغيّر ميزان القوى الإقليمي.
ويختم لابين: رغم تدفّق الأموال والوعود، لا أحد يستطيع التنبؤ بمصير سوريا خلال عشر سنوات — وربما حتى غدًا.