هل سيكون نتنياهو غدعون أم شمشون؟

‏العلاقة بين طالوت وغدعون؟  

لا يعرف الكثيرون أن قصة غدعون في (الكتاب المقدس)، تشبه قصة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى في سورة البقرة.

ويلعب غدعون في كتابهم دور طالوت الملك، الذي رفض بنو إسرائيل ملكه، ولكن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم.  

وفي التفاصيل التي توردها التوراة ما يشبه تفاصيل القصة في القرآن، حيث تقلص جيش غدعون بعدما طرد منه الخائفين (الجبناء) من 32000 إلى عشرة آلاف، ثم لما شربوا من الماء بقي 300 مقاتل فقط، وهي الفئة القليلة التي غلبت جيش "المديانيين" الذي كان قوامه 135000 جندي.

وطبعا في القصة ينتصر غدعون ويحرر شعب إسرائيل، كما هو الحال في انتصار طالوت على جالوت.


‏العلاقة بين نتنياهو وغدعون!  

يتقمص نتنياهو شخصية غدعون الذي عليه إنقاذ إسرائيل بأمر إلهي، ويرى من حوله من السياسيين والقادة المعارضين، وحتى ضباط وجنود الاحتياط الذين يرفضون الانضمام للقتال بأنهم الخائفين الجبناء، الذين لا ينضمون للقتال، الذي يخوضه هو على كل الجبهات لإنقاذ إسرائيل، ولذلك يقرر نتنياهو أن يخوض الحرب بالقلة القليلة المتوفرة حوله والواثقين به.


‏الفرق بين نتنياهو وجدعون

غدعون أو (طالوت) كان مبعوثا من الله وجيشه كان من المؤمنين، وجاء لهداية بني إسرائيل بعد ضلالهم وإنقاذهم من الظلم والاضطهاد، الذي وقع عليهم من جالوت الظالم، الذي أخرجهم من ديارهم واستولى على أموالهم  

أما نتنياهو فمبعوث الشياطين الصهاينة وجيشه من العلمانيين وغير المؤمنين، وهو رأس الظلم لشعب فلسطيني مؤمن مستضعف استولت "إسرائيل" على أرضه وقتلت وشردت أبناءه.


‏مغامرات غير محسوبة

إن نتنياهو أعدم كل الخيارات الأخرى، وبقي أمامه خيار وحيد هو القتال بلا نهاية حتى الانتصار المطلق، وإلا فهو يعرف أن الإسرائيليين سيقضون عليه إذا لم ينجح في ذلك وسيحملونه شخصيا كل المسؤولية عن ذلك. وهم لا ينظرون إليه كما يرى هو نفسه، بل يرونه كذابا انتهازيا فاسدا يقودهم إلى الهلاك المحقق والعزلة عن كل العالم، كما تحدث عن ذلك "غولان وأولمرت وباراك ويعلون وبريك وغانتس"، وكثيرون آخرون من القادة السياسيين والعسكريين والمفكرين والصحفيين وغيرهم، ثم الآن انضم إليهم قادة أوروبا والغرب.  


ما المتوقع أن يفعله (غدعون) المجنون؟  

الخيار الأول: تشغيل عربات غدعون والدخول في عملية واسعة في غزة وتحمل كل التبعات والعواقب التي ستترتب على هذا الخيار.  

الخيار الثاني: الهروب إلى الأمام والاصطدام في مساحات خارجية تشعل المنطقة بأسرها وتربك حسابات ترامب والغرب وتؤجج النيران بدلا من إطفائها

الخيار الثالث: استغلال الفرصة المتاحة والبقية الباقية من الدعم الخارجي والدخول بمفاوضات جادة نحو وقف الحرب وقبول تبعات ما بعد ذلك من انهيار الحكومة ودخوله مرحلة الموت السياسي


‏التحول الإجباري نحو شمشون

قصة شمشون وهو واحد من القضاة أيضا وردت قصته في سفر القضاة باعتباره أحد المخلصين، لكن نهايته المعروفة كانت أنه هدم المعبد في غزة على نفسه وعلى الفلسطينيين الذين اعتقلوه بعدما اكتشفوا سر قوته الجسمانية عن طريق عشيقته التي خانته وأخبرتهم أن قوته في شعره وقامت بقص شعره فاستطاعوا اعتقاله واقتادوه للمحاكمة في معبدهم، ثم لم يجد سوى أن يهدم المعبد على نفسه وعلى أعدائه. وهي الخاتمة التي يبدو أن نتنياهو سيفضل أن يتجه نحوها لتشابه شخصيته مع شخصية شمشون في بعض جوانبه، فهو لا يستسلم، ولا يعترف بالهزيمة، ويقتل ويحرق ويقاتل حتى الرمق الأخير.  


فماذا عساه أن يفعل الآن!

‏ضرب إيران بكل القوة

لم يعد أمام نتنياهو في المرحلة الراهنة سوى هذا الخيار، ليقلب الطاولة في وجه الجميع، وخصوصا ترامب والغرب.  

وهو إنما يعتقد أن إيران هي من تقف خلف كل ما حدث منذ السابع من أكتوبر وأن برنامجها النووي هو الخطر الساحق، وأنه لم يعد أمامه سوى هدم المعبد على الجميع، بدلا من الاستسلام، ويؤمل نفسه بأن ضربة ناجحة لإيران ستضعه في مكان جديد داخليا ودوليا.  

ولكن على الأرجح أن نتنياهو سيجد نفسه غارقا في أوحاله، سواء لجأ لضرب إيران أم لا، فنزيف الكيان الصهيوني سيستمر على كل المستويات، وربما ستأتي القاضية من صاروخ يمني يصيبه في مقتل، أو اشتباك مع إيران يستجلب ردا غير مسبوق، ولا تحميه منه أمريكا، كما كانت تفعل دائما، وربما تغرق عرباته في أوحال غزة، ويضيع جنوده في أنفاقها، وفي أحسن أحواله ستسقط حكومته، ولن يخرج من ورطته لا بطريقة غدعون، ولا حتى شمشون!  

بل سيلقى مصير جالوت أو فرعون أو النمرود الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023